أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يسمع ساركوزي رداً سورياً؟ .... الياس حرفوش

من الصعب تقدير طبيعة الرد الذي سيأتي من العاصمة السورية على «عرض» الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على دمشق بقيام «حوار فرنسي - سوري» في مقابل تسهيلها اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان.

تستطيع دمشق أن تقول إنها ليست معنية بموضوع الانتخابات، الذي يسمى في لبنان «استحقاقاً»، باعتبار أنه قضية لبنانية داخلية، وباعتبار ان دمشق مع ما يجمع عليه اللبنانيون، وهي لا تتمنى لهم الا كل الخير وتقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف! لكن هذه المعزوفة التي دأب الاعلام السوري على تكرارها باتت لا تقنع أحداً، باستثناء من هم مقتنعون سلفاً. فأنصار سورية وحلفاؤها في لبنان جاهزون دائماً، وبدافع من اندفاعهم المتميز، لتأكيد ارتباط مواقفهم بالمصلحة السورية مما «يحرج» دمشق ويحول بينها وبين الدور «المحايد» الذي تقول انه دورها الحقيقي!

وتستطيع دمشق أن تقرأ في العرض الفرنسي بداية هزيمة للمشروع الغربي، وانعطافاً نحو دمشق نتيجة الحاجة الى دور المسهَل الذي تستطيع أن تلعبه في لبنان. ولا تخرج هذه القراءة عن مجمل نظرة سورية الى دورها في المنطقة، دور من لا يمانع في اشعال الحرائق او يقف متفرجاً عليها، على أمل امتداد الحريق واتساع رقعة خطره، بحيث لا يبقى امام الاطفائيين سوى طلب النجدة ممن يستطيع اخماده، باعتبار أنه يملك في الاساس الادوات اللازمة لاشعاله. ولا يبتعد الدور السوري في كل من فلسطين والعراق عن هذه الصورة. في الاولى كان الدور السوري بالغ التأثير في مأزق الانقسام، بل التقسيم، بين الضفة وغزة، وبات الكثيرون يعتبرون أن المخرج هو في يد دمشق اكثر من أي وقت. وفي العراق يشير تحول المالكي باتجاه عاصمة الامويين، بعد الحملات السابقة عليها، الى مدى وعي السلطات العراقية بحجم التهديد الامني العابر لحدودها.

لكن دمشق تستطيع من جهة ثانية، التقاط اشارة الرئيس ساركوزي، التي جاءت توضيحاً اكثر دقة لما قاله وزير خارجيته برنار كوشنير قبله بيوم واحد، والتعامل معها بواقعية و «بتواضع». فقد اعتبر ساركوزي أن انفتاح فرنسا على دمشق سيكون «مذهلاً»، اذا تجاوبت مع الوساطة الفرنسية ولم تضع عراقيل في وجه سيادة لبنان والانتخابات الرئاسية فيه. وللمرة الاولى منذ القطيعة الشهيرة بين الرئيسين جاك شيراك وبشار الاسد، هناك في باريس من يقدم «عرضاً» الى دمشق بالاستعداد للحوار، بعد أن كانت لا تأتيها سوى الطلبات من دون مقابل، وذلك اذا لعبت دوراً ايجابياً في لبنان، أي اذا قبلت بملاقاة الآخرين في منتصف الطريق، بدل قبض ثمن التسوية كاملاً بمفردها، حتى لو كان في امكانها أن تفعل ذلك. وليست أهمية هذا الموقف فقط في أنه يأتي على لسان مسؤول غربي رفيع في حجم رئيس فرنسا، بل في كون الرجل اكثر قرباً من الادارة الاميركية الحالية من سلفه، وتتقاطع مصالحه معها في المنطقة في اكثر من مكان. وهو ما عبرت عنه بوضوح الازمة الديبلوماسية الاخيرة بين باريس وبغداد والتي لم تكن سوى انعكاس لمواقف الرئيس جورج بوش من نوري المالكي وحكومته.

اذا قامت دمشق بالتقاط الاشارة الفرنسية، فإنها لا تساهم فقط في إحداث ثغرة في جدار الازمة السياسية اللبنانية المغلقة في وجه كل الحلول، بل هي تكون قد ساهمت ايضاً في خلق مناخ جديد في مجمل العلاقات العربية معها، هي في الوقت الحاضر ضحيته الاولى باعتبارها في الموقف الاضعف عربياً. كثيرون في لبنان، وليس فقط بين حلفاء سورية، من سيعتبرون مثل هذا التحول، الذي يؤمل أن تقدم عليه دمشق، بمثابة انقلاب على مخططاتهم ومشاريعهم التي تسير في وجهة واحدة هي وجهة الاصطدام الكامل بالفريق الآخر. لكن الواقعية، وهي أهم المدارس في العمل السياسي، تقتضي القول إن «وصفة» ساركوزي لرئيس لبنان المقبل: رجل يعتبره جميع اللبنانيين ممثلاً لهم وقادراً على العمل مع الطوائف المختلفة في الداخل ومع كل شركاء لبنان في الخارج، هي التي يجب أن تكون العلاج للازمة الحاضرة، لأن البديل هو الكارثة في أحسن الاحوال، وليس فقط على لبنان.

 

الحياة
(127)    هل أعجبتك المقالة (125)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي