أستغرب من شخص استقال بملء إرادته، من جميع المهام السياسية التي كان مكلفا بها في المعارضة، أنه لا يزال يصر على الخروج على وسائل الإعلام، وإمتاعنا بتحليلاته السياسية الفذة، بعدما ثبت بالدليل القاطع وباعتراف النظام والفصائل، أنه صاحب الفضل في تسليم الجنوب السوري منتصف العام الماضي، للنظام والروس، بالإضافة إلى أنه صاحب الدور الأبرز في إضعاف المعارضة السياسية وتشتيتها .. ألا يخجل هذا الرجل من نفسه .. ؟!
تعرفت على خالد المحاميد بشكل شخصي في مطلع العام 2013، في جنيف خلال أحد المؤتمرات التي استمرت لأربعة أيام .. أي كنت أراه وألتقيه يوميا في المؤتمر، لم نسمع صوته على الإطلاق ولو بكلمة واحدة، وخلال فترات الأستراحة في بهو الفندق الذي تجري فيه أعمال المؤتمر، كنا نتحلق على شكل مجموعات، صادف أكثر من مرة أنه كان ضمن هذه المجموعات.. ومع ذلك لم أسمع صوته أو رأيه، لدرجة ظننت أنه أخرس أو لا يحسن الكلام.
في ذلك الوقت، كان كل الكلام حوله، أنه رجل مال وأعمال، وأنه يبذل من أمواله الكثير لدعم الثورة، لكن في الِشأن الإغاثي فقط … وتم ذكر رقم أمامي، أنه يدفع شهريا نحو 100 ألف دولار وأحيانا أكثر.
لذلك اعتقدت، أنه في مثل هذه الحالة، فإنه من الطبيعي أن لا يقول ويتحدث الرجل، ما دام ماله يتحدث عنه.
بعد ذلك بأشهر، أبديت إعجابي بشخصه أمام أحد أبناء درعا البلد، وممن على معرفة به وبأسرته أكثر مني .. فاستغرب انطباعاتي الإيجابية، ووجدته يشن هجوما شرسا عليه، ويتهمه أنه كان لفترة قريبة أحد الثقاة والمقربين من أجهزة المخابرات، وأنه كان في بداية الثورة يدعو الناس في درعا لوقف احتجاجاتهم بسرعة، وإعطاء الثقة لـ"السيد الرئيس"، من أجل أن يعالج الموضوع..
وأخبرني شخص آخر من درعا البلد، أنه لولا مقتل أحد أقاربه، وهو الطبيب غصاب المحاميد في منتصف العام 2011، على يد أجهزة المخابرات، بشكل علني ومفضوح، لما وجدنا خالد المحاميد أبدا في صف المعارضة، إلا أن تلك الحادثة كانت نقطة التحول الكبرى في موقفه تجاه النظام، وذلك انسجاما مع غضب عشيرته المحاميد، التي كانت حتى ذلك الوقت قد قدمت العديد من الشهداء.
المفاجأة الكبرى، كانت عندما سمعت خالد المحاميد يتحدث في أحد مؤتمرات المعارضة في القاهرة، في العام 2015 على ما أعتقد، وكان ذلك أول ظهور سياسي علني له، على مستوى الرأي والموقف وحتى الصوت، لكن حتى ذلك الوقت، لم يكن سوى أحد رجال هيثم مناع المقربين، وشعرت يومها، وكأن هذا الأخير قد دفع به للظهور للعلن، بعدما أصبح صوته ورأيه متعبا ومزعجا للسوريين، جملة وتفصيلا، وأقصد المناع.
قررت بعدها أن أراقب حركة عيني المحاميد وهو يتحدث ويدلي بأرائه وتصريحاته، وهو أكثر ما لفت انتباهي، إذ اكتشفت أنه يخفي خلفهما شخصية ماكرة، إلا أنها مهزوزة، ولا تمتلك الثقة والوعي بما تقول، وإنما متأثرة بأقوال أشخاص أو جهات أخرى.
باختصار، حديثه في جميع المرات، هو أقرب لكلام العوام، وهو خليط غير متجانس، جمعه عبر خبرات اكتسبها على عجل، من لقاءاته مع مسؤولي الدول الكبرى، وبعض زملائه في المعارضة.
وفي العموم، تستطيع أن تكتشف بسهولة أن الرجل سطحي ومستسلم، ولا يمتلك الحد الأدنى من الرؤية السياسية، وكل ما هو موجود لديه وفي داخله، هو نوع من البراغماتية الانهزامية، التي يتميز بها رجال المال والأعمال ممن ينظرون للأشياء والأمور على أنها صفقات تجارية فحسب.
لذلك أقول لـ"خالد المحاميد": ليتك بقيك بلا صوت وبلا رأي .. ليتك بقيت ذلك الرجل الهادئ والرصين الذي تعرفت عليه أول مرة قبل أكثر من ست سنوات، وكان يستمع فقط ونتمنى لو نسمع صوته.
ليتك يا خالد في ذلك الوقت، كنت يوما بلا غد .. !
*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية