أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حول نقد المبادرة الوطنية السورية في نسختها الجديدة*

أرشيف

منذ أيام أطلق في جنيف النسخة الجديدة من المبادرة الوطنية السورية والتي تهدف إلى التحضير لعقد مؤتمر سوري جامع وتمثيلي ووازن وفق ماورد في نص المبادرة.


لقد حصلت تغييرات جوهرية في نص المبادرة مقارنة مع نسختها الأولى، حيث حذفت منها فقرات جلبت لأصحابها النقد الكثير من حيث طرح أفكار في الحل السياسي هي أدنى بكثير مما طرحته القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية وكذلك طرحت النسخة الأولى من المبادرة إعادة الإعمار بيد الدولة السورية، إضافة إلى ما ورد فيها من إعادة جميع المنشقين إلى صفوف جيش النظام.


في محاولة للوصول إلى مقاربة موضوعية في دراسة النسخة الجديدة من المبادرة الوطنية السورية كان لا بد لنا أن نعمل على نقد البنود الواردة بها ضمن رؤيتنا للمشروع الوطني للثورة السورية، إضافة إلى مدى توافق المشروع مع أسس العمل السياسي ومع معطيات الواقع الذي نرى أن المبادرة قد ابتعدت عنه وقد حاولنا تجنب النقد عن طريق شخصنة الموضوع بطرح إشارات استفهام حول أشخاص مشاركين، وهذا ما كان عليه النقد في العديد من غرف التواصل.


أولا: المبادرة ومعطيات الواقع

1-تحاول المبادرة أن تطرح ما يسمى الاستقلالية في القرار السياسي ورغم أهمية هذا الطرح بما يمثله من مطلب لمعظم السوريين، لكن هذا الطرح جاء متأخرا سنوات سبع وغريبا عن الواقع الحالي.


إننا نرى أن هنالك نزوعا في خطاب المبادرة إلى فك الارتباط مع الواقع الموضوعي للقضية السورية في تناسي لصعوبة وسخونة وتفاعلات الواقع الحالي وليس هذا نابعا من قدرة المبادرة وتماسكها في إطار نظري متماسك من المكونات التي تطرحها وإنما هو نوع من الهروب من مواجهة معطيات الواقع واللجوء إلى طروحات نظرية دون ان تطرح أليات لتطبيقها وسنوضح ذلك من خلال:
1-لقد تحولت سوريا إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي وأصبحت دولة مقسمة النفوذ بين عدة دول ويتواجد على أراضيها جيوش لدول مختلفة إيران وتركيا وأمريكا وروسيا، إضافة لميليشيات لدول عدة من العراق إلى إيران وأفغانستان ولبنان وغيرها، لقد أصبحت الأراضي السورية منطقة مكتظة بالوجود العسكري الأجنبي، حيث تنتشر في جنباتها وأطرافها قواعد ونقاط عسكرية، بعضها تابع لروسيا وبعضها تابع للولايات المتحدة، كما يعود بعضها لقوى إقليمية أخرى.
لقد تم تهميش المعارضة السورية، وربما تكون تلك المعارضة هي أحد المسؤولين عن ذلك الواقع، حيث تعقد المؤتمرات والاجتماعات حول سوريا بمشاركة صورية لوفد التفاوض وهنالك الكثير من الاجتماعات حول سوريا لا يكون بها وفد المعارضة حاضرا يحدث هذا في ظل عجز دولي عن تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية والتي صدرت بدون آلية تجبر النظام على الرضوخ لها.


2-لقد أصبح هنالك طيف واسع من المعارضة السورية ومنهم شخصيات من الموقعين على تلك المبادرة مرتبطين بأجندات دول ارتبطت بالقضية السورية إيجابا أو سلبا والخروج من تلك الحالة يحتاج إلى إعادة هيكلة المعارضة وإشراك كافة قوى الثورة في الداخل وبلاد النزوح والهجرة في الهيكلية الجديدة والشروط الموضوعية حاليا كما يبدو أنه تعرقل للأسف هكذا إعادة بناء.


3-إن المبادرة الوطنية تدعو لتكوين هيئة حكم انتقالي تتألف من أجسام مدنية (مجلس وطني انتقالي وحكومة مرحلة انتقالية وأجسام عسكرية وكذلك مجلس عسكري وأمني انتقالي من المفترض أن يكون مسيطرا على الفصائل وجامعا لها)، فكيف يستقيم إنشاء تلك الأجسام بدون دعم مالي لها وكيف تغطى تكاليف إنشائها من دون طلب تمويلها من دول مرتبطة بالقضية السورية، وبالتالي ستكون عودة صاغرة للأسف إلى موضوع الولاء إلى تلك الدول.
أيضا بما يخص موضوع الواقعية التي نتكلم فإن بناء الأجسام التي ذكرناها يحتاج إلى الدعم الدولي من الناحية السياسية كي تتشكل، فكيف ستقوم برفض التدخل الخارجي إذا كان الفاعل الوطني غائبا أو مغيبا، وبالتالي هي العودة للدول النافذة وفي هذا تناقض واضح.


4 -إن عدم توفر الرعاية الدولية والدول التي تتبنى المبادرة يفقدها الزخم وآليات التنفيذ الحقيقية بعد أن تدولت القضية السورية كما، سبق أن ذكرنا، وهنا تعود المبادرة في ثناياها إلى الدول النافذة والتي نطلب عدم تدخلها وتطلب تدخلها وفي هذا تناقض واضح، حيث تبين المبادرة أنها ستتواصل مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن ودول الجوار السوري والدول المؤثرة في القضية السورية وبنفس الوقت تطالب بالاستقلالية عنها.

ثانيا: التمثيل والشرعية
1-تبقى مشكلة تمثيل السوريين هي المشكلة الأكبر في الثورة السورية عند تنظيم أي مؤتمر وطني وهي تقف عقبة كأداء في سبيل تشكيل مظلة سياسية حقيقية للثورة أيضا من المهم لتلك المظلة المفترضة أن تحصل على القبول والاعتراف الدولي. فقد حصل الائتلاف الوطني عند إنشائه -قبل دخوله حالة الموت السريري- على اعتراف من الجامعة العربيّة والاتحاد الأوروبيّ والولايات المتحدة كـممثلٍ شرعيٍّ لتطلعات الشعب السوريّ"، واعترفت به كلٍّ من دول مجلس التعاون الخليجيّ، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيّا، وبريطانيّا بها كـممثل شرعيٍّ وحيدٍ للشعب السوريّ وفي مؤتمر الرياض الثاني اعتمدت المعارضة السورية بتوافق دولي الهيئة العليا للمفاوضات بعد أن تم تطعيمها بمنصات متعددة، وبالتالي ستبقى الشرعية الدولية والاعتراف الدولي بالمؤتمر كجسم بديل عن الائتلاف وما يتمخض عنه من هيئة سياسية كبديل عن هيئة التفاوض الحالية هي المشكلة الأبرز التي تواجه أي مؤتمر وطني ومنها المؤتمر الذي توصي المبادرة بانعقاده.


2- أما الشرعية الثورية فستكون مفقودة برأينا في هذا المؤتمر، إلا إذا استطاع تمثيل أطياف المعارضة في المحرر وفي دول الشتات ضمن انتخابات يتمخض عنها تكوين أعضاء المؤتمر فهل يمكن ذلك في ظل تشتت قوى الثورة والسوريين في دول العالم وسيطرة الفصائل على الداخل السوري، حيث تمنع أي عملية انتخابات أو الحصول على تمثيل حقيقي للداخل كما تبين في السنوات السابقة.


3- إن منظمو المؤتمر في نص المبادرة يقروا بصعوبة عقد اجتماعات علنية ومفتوحة لمناقشة تنظيم المؤتمر فكيف سيكون الحال بانعقاد المؤتمر نفسه حيث سيزيد أي مؤتمر تم عقده الخلافات والانقسامات في جسم الثورة السورية بسبب اعتبار كل معارض في سورية أن له أحقية التمثيل في هذا المؤتمر وهذه المشكلة لا تحل إلا عبر انتخابات تجرى للسوريين لانتقاء ممثليهم.


4-من الثابت أن المجتمع الدولي لا يتعامل إلا مع هياكل سياسية معروفة ومعترف بها حتى لو كانت أجساما متهالكة كالائتلاف الوطني وهذا ما سيواجه المؤتمر الوطني المفترض من حيث الحصول على الشرعية المطلوبة دوليا، حيث تبين المبادرة أنها تواصلت مع المبعوث الدولي وأنها ستقوم بإجراء الاتصالات الضرورية مع الدول أعضاء مجلس الأمن والدول الجوار (من يقصد بها ؟) والدول المؤثرة في القضية السورية للحصول على تلك الشرعية، ونرى أن الطريق في ذلك شاق، حيث من المفترض وضع الأجسام السابقة كهيئة التفاوض والائتلاف جانبا من قبل المجتمع الدولي واعتماد المؤتمر والجسم التمثيلي الذي سيتمخض عنه المؤتمر كممثلين للمعارضة السورية.


ثالثا :في الأصدقاء والاعداء الضحية والجلاد.
في محاولة للتقرب للطرف الآخر وضمن انزلاق سياسي غير مقبول تساوي المبادرة الجلاد بالضحية والدول المتدخلة بين تركيا وإيران وروسيا، فحين تطالب المبادرة بالإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المختفين قسرا لا تبين المبادرة أنهم في سجون ومعتقلات النظام وقد استشهد مئات الألوف منهم في أقبية تلك المعتقلات
وحين تتكلم عن التدخلات الأجنبية تساوي التدخل التركي الذي يحاول كبح جماح التوحش الروسي الإيراني لاستباحة ما بقي من المحرر بالتدخل الأمريكي والروسي والايراني وتساوي المبادرة بين تركيا التي اعتبرت الرئة التي تنفست منها الثورة السورية والتي دعمت الثورة بالمال والسلاح واستضافت في أراضيها ما يقارب نصف اللاجئين السوريين في العالم مع إيران وروسيا التي لم توفر سلاحا فتاكا ضد الشعب السوري وهدمت القرى والمدن السورية فوق رؤوس أهلها وأخضعت سكانه لعمليات تهجير قسري وتغيير ديمغرافي واضح الملامح فكيف تضعهم المبادرة في سلة واحدة.


رابعا: في ثوابت الثورة
تبقى الثوابت الوطنية للثورة السورية خطوطا حمراء لا يمكن لأحد تجاوزها ويفقد الشرعية كل من قام بذلك وأهم هذه الثوابت: رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية وإسقاط نظام الأسد بكل رموزه وتفكيك منظومته الأمنية ومحاسبة مجرمي النظام على ما ارتكبوه من مجازر أصبحت حديث العالم.
لقد كانت كلفة الثورة السورية عالية ولا توازي أي ثورة في التاريخ ومن الواضح أن الثوابت المطلوبة لم ترد في المبادرة الوطنية وهذا ما يجعلها غير مقبولة لدى حاضنة الثورة.


خامسا: الخيارات المذلة الاستجداء أم التحرير
ليس المطلوب اليوم تمثيل الوطن، بل تحريره، لدينا من فصائل الثوار قوة عسكرية كبيرة أزاحت خيار التحرير واتجهت إلى خيار الركون والتحول إلى الدفاع وانتظار النقاط التركية كي تسجل خروقات النظام، حيث يستمر القصف والتدمير وقتل المدنيين دون رد يذكر من قبل الفصائل وهنالك أخبار عن حشود لروسيا والنظام وميليشياته وتهديدات باقتحام المناطق المحررة خاصة.
لن تستطيع المعارضة السورية بغير ضغط عسكري أن تحصل على مكاسب في اي مفاوضات سياسية او مبادرات.
وستبقى المقترحات والمبادرات والمؤتمرات قائمة لكن في العالم الافتراضي وليس الواقع.

*د. مأمون سيد عيسى - زمان الوصل
(155)    هل أعجبتك المقالة (165)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي