أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تركيا العلمانية وسوريا المسلمة.. عدنان عبد الرزاق*

أرشيف

بالأمس، شهد البرلمان التركي مشادات كلامية، إثر شرب نائب " توفان كوسي" من حزب الشعب الجمهوري " الأتاتوركي العلماني" كأس ماء خلال حديثه على الهواء مباشرة، ما استفز زميله عن حزب العدالة والتنمية "عمران كيليج" ذي التوجه الاسلامي المعتدل، وقال "هذا منبر تركيا المسلمة، وعليك احترام شعائر شهر رمضان".


ما دفع نائب ثالث "توما اتشيلك" عن حزب الشعوب الديمقراطي اليساري" الكردي" ليقول لنائب حزب العدالة والتنمية "تركيا ليست مسلمة، هنا تركيا العلمانية".


لسنا بصدد العلمانية التركية، التي بدأت منذ نهايات الخلافة العثمانية عبر الطلاب الذين درسوا في أوروبا، وفرنسا خاصة، وكيف ترجمها مصطفى كمال أتاتورك، عبر التدرج.


فالتاريخ القريب يقول إن أتاتورك، وبعد أن قاد حرب التحرير قام بممارسات ذات طابع ديني، فألقى خطبة الجمعة في مدينة بالي كسير، وعين مساعدين له من شيوخ الطرق الصوفية عندما ترأس المجلس الوطني الكبير، لكنه ومع إعلان الجمهورية العلمانية في 29 تشرين الأول أكتوبر/1923، ألغى الخلافة الإسلامية والمحاكم الشرعية الدينية، وبدأ منذ العام 1925 في تغريب تركيا ثقافة وحضارة وممارسات، وتكريس دور الجيش كحارس للنظام الجديد، ليصل عام 1938 إلى إلغاء دين الدولة الإسلامي من الدستور.


وأسس لأيديولوجيا جديدة، تقوم على فكرة الجمهورية القومية والشعبية، بديلا للنظام السلطاني والخلافة، على أن تكون الانقلابية على كل ما كان سائداً، مستمرة، حتى وصلت، لفرض لباس ومنع آخر، ليتم "الانقلاب" بعهد خلفه، عصمت اينونو صاحب فكرة إلغاء دين الدولة، وقت كان رئيساً للوزراء بفترة أتاتورك.


لكننا سنأتي على سوريا، والتي، بنظر كثيرين، لم تبلغ يوماً مصاف الدولة ولم يكن لها عبر التاريخ، هوية واضحة.


في الغالب، وحينما يتم الحديث عن "التباس الهوية السورية" يتم البدء من تبعية سوريا الكبيرة للخلافة العثمانية، ومن ثم احتلالها من فرنسا، وما بينهما من عامين، خلال ما يسمى فترة الثورة العربية عام 1918، وربما من بعد طغيان الهوية الدينية خلال الخلافة العثمانية، أي وقت احتلال سوريا، وبدء مفهوم تشكّل الهوية- القرن التاسع عشر- عالمياً وليس إقليمياً، فمنذ ذاك، بدأت الحركات القومية وتشكل القوميات بعيداً عن "الدينية والمذهبية" السائدة فيما قبل.


ولم تتبلوّر هوية سورية واضحة، رغم الشعور الوطني الذي تشكّل خلال الاحتلال الفرنسي، والذي تجلى لاحقاً، بالثورة على التشكيلات المناطقية "الدويلات السورية الأربع حلب، دمشق، ودولة العلويين والدورز" لنكون أمام سوريا الواحدة والحالية، بعيداً عن سوريا التي بدأت ملامحها القومية نهاية الخلافة وخلال الاحتلال "سورية، لبنان، فلسطين وشرق الأردن" والتي تفتت، أو اقتسم الجوار منها "لواء اسكندورن بالثلاثينيات والجولان بالستينينات".


ربما ليس من فائدة، في تفنيد تاريخ حديث معروف لغالبية السوريين، ولكن على عجالة، يمكن القول إن ثمة ملامح ديمقراطية عاشتها سوريا بعد الاستقلال والانقلابات التي تلته "حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي" لتشهد انتخابات ديمقراطية أواسط الخمسينات "1954" زعزعتها فيما بعد، الخلافات مع تركيا وتنامي العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، لتأتي الوحدة مع مصر، نهاية الخمسينات حتى أيلول سبتمبر 1961 وتغير من محاولات تشكيل الهوية، قبل "انقلاب" عبد الكريم النحلاوي.


منذ ذاك، ومع انقلاب البعث في آذار مارس 1963 بدأت الصراعات، حتى داخل الحزب حتى انقلاب شباط فبراير/1966 لتسود ملامح استقرار نسبي، سرعان ما تبدد عبر الصراع داخل البعث بين تياري "صلاح جديد وحافظ الأسد" بعد محاولة انقلاب "سليم حاطوم"، والذي تجلى -الصراع- بعد "هزيمة حزيران 1967 ووصول "بعث العراق "للسلطة 1968 لينفجر في شباط فبراير 1969 وقت قام حافظ الأسد بالانقلاب العسكري، وبدأه من فرعي الحزب بطرطوس واللاذقية، لينتهي باحتلال مبنيي الإذاعة والتلفزيون بدمشق وحلب وفرض الرقابة العسكرية واحتلال مراكز استراتيجية بالعاصمة، لم ينفع المؤتمر القطري الاستثنائي في آذار مارس/1969 من رأب الصدع، ليسيطر "الأسد" على القوات المسلحة و"جديد" على جهاز الحزب المدني، والذي أضعفه مقتل، أو انتحار "عبد الكريم الجندي" "رئيس الأمن الوطني والمخابرات العامة" ليستعين "صلاح جديد" بـ"منظمة الصاعقة" كقوة للحزب، قبل أن يصل الخلاف أقصاه، بعد الانقسام حول التدخل بالحرب الأهلية في الأردن، ومعارضة "الأسد" لـ"جديد" الوقوف إلى جانب المنظمات الفدائية الفلسطينية وما يعرف ب"أيلول الأسد" ليأتي المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر لحزب البعث، كنهاية مرحلة، وقت تم إعفاء حافظ الأسد ومصطفى طلاس من مهامهما العسكرية، ليكون 13 تشرين الثاني اكتوبر/ 1970، وقت احتل العسكريون مكاتب البعث والمنظمات، وألقوا القبض على "صلاح جديد" والرئيس "نور الدين الأتاسي"، ويتم بعد ثلاثة أيام، إعلان انقلاب "الحركة التصحيحية".


استفضنا ربما حتى وصول حافظ الأسد للسلطة، نظراً لما يعتبره كثيرون، أن عام 1970 هو الأهم في تكوين سوريا وهويتها، نظراً لما تخلله من إقصاء وسجن وقتل، حتى لـ"الرفاق البعثيين" وما لحقه من تشييد نظام أمني عسكري وتغييب للمجتمع وحتى للدولة، بمفهومها الحامية لكل أفراد المجتمع.


وربما الأخطر، منذ انقلاب حافظ الأسد وحتى توريثه الحكم لابنه بشار عام 2000، أنه أسس، عبر عقلية فلاحية شخصية لهويات سورية، منطلقها المناطقية والطائفية، وإن حكم عبر هوية قومية شكلانية، ليستمر الابن على كرسي أبيه الذي حكم من قبره حتى عام 2011، وقت انتفض السوريون وبدأت مرحلة جديدة من محاولات التأسيس لهوية سورية.


فمنذ عام 2011، دخلت سوريا والسوريون، بطور جديد، بدايته التمرد على الهوية الملتبسة وطرح شعارات توضح وطنية الثورة، بهدف صياغة هوية وطنية للسوريين جميعهم، فرأينا "واحد واحد الشعب السوري واحد" بيد أن الالتقاء، المخطط له أو للمصادفة، بين نظام الأسد والمسيطرين بالمعارضة، والعسكرية خاصة، حوّل أحلام السوريين من تشكيل هوية وطنية ودولة مواطنة، إلى زج الديني والطائفي، سرعان ما أبعد، بمساع ودعم خارجي لتسنين الثورة، رؤية الثورة وحلم الثوار، ليعود الالتباس إلى "الهوية السورية" خاصة بعد تفشي الراديكالية بالمناطق المحررة وتغليب الهوية الدينية، واستدعاء نظام الأسد الاحتلالين، الإيراني والروسي ودخول محتلين آخرين، ليس في صالحهم جميعاً، صوغ هوية سورية وطنية، سيجتمع حاملوها ولا شك، على التحرير وطرد المحتل وبناء دولة القانون الوطنية.


نهاية القول سؤال: إن كاد الخلاف بالبرلمان التركي-عود على بدء- أن يصل للضرب بالأيدي، نتيجة الخلاف على شكل الحكم بتركيا أو "هويتها" فما هو الحال بسوريا اليوم، بعد التشظي الهوياتي والنزعة لتشكيل هويات دينية ومناطقية وقومية.


ربما، من الملهاة السعي وراء التكتيكي اليومي بالأحداث السورية، بعد أن وظّف "المحتلون" السوريين كعمال إطفاء، يلهثون وراء الآني والحرائق، وينشغلون عن البناء لما بعد الأسد، أوحتى خلال احتضاره، وخاصة فيما يتعلق بأول الأولويات وأهمها، وهي شكل سوريا المستقبل وهويتها الجامعة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(250)    هل أعجبتك المقالة (225)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي