ليست فسحة بالمعنى الحرفي للكمة في حياة نعيش معظمها افتراضياً، نلتقي بأصدقائنا افتراضياً، مشتتين في كل بقعة من الكوكب، حتى الشراء، لم نعد نحمل في حقائبنا فلساً، كل ما نحتاجه أن نحفظ الرقم السري لبطاقتنا المصرفية، لا أذكر بالضبط المدة التي تفصلني عن وجود أوراقٍ نقدية في محفظتي، مع أنني أحب رائحة العملات الجديدة وملمسها أيضاً.
كل شيء في حياتنا بات افتراضياً فعلاً، بالأمس اتصلت بي صديقة، تخبرني بسعادة عن خطوبة أخيها وفرحها بالحفل، باركت لها مبتهجة بالحدث المفرح في قحط الأخبار السعيدة الذي نعيشه، سألتها بطبيعية وعفوية "ماذا لبستِ؟ أي لون اخترتِ؟ كيف الشام؟ لم تخبريني بأنك هناك؟ كم من الوقت ستمكثين؟ اسئلة فاضت مني بغير تفكير وبكثير من الشوق لبعض من طبيعية الحياة.
تنهدت بعمق وقد تبدلت فجأة نشوة الفرحة التي كانت تملأ صوتها: "يا حسرتي لا نزلت ولا طلعت"، انتقل لي كمدها وعدنا للحديث عن الخرائب.
أخو صديقتي في السويد، خطب أخيراً الصبية التي يحبها، فقد كان قد التقاها صدفة في إحدى غرف المحادثات فأعجب بشخصيتها وفكرها، أرسل لها إضافة، فلم تقبل طلب صداقته لأكثر من أربعة أشهر رغم استمرارها بالحديث معه في غرفة المحادثة الجماعية، تعب كثيراً حتى أضافته أخيراً لقائمة أصدقائها وتعب أكثر حتى ردت على رسائل المسانجر، وهكذا تطورت العلاقة وانتقلوا إلى مرحلة الواتساب وبعدها تحايلوا على الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أخذا القرار بالارتباط.
الصبية التي أحبها افتراضياً باتت اليوم واقعاً في حياته دون أن يلتقيا.
ولاء الخطيبة الافتواقعية ( افتراضية -واقعية) تعيش في القاهرة مع أسرتها، والدة هشام في دمشق، والده في الشارقة وأخته أي صديقتي في ألمانيا.
في تمام الساعة الثامنة بتوقيت دمشق منذ عشرين يوماً اجتمع الأهل عبر مكالمة سكايب مشتركة جمعت أبي هشام وأمه مع والدي ولاء وتمت الخطوبة، وبالأمس احتفل الشابان بارتداء خاتم الخطوبة، كلٌ بين أصدقائه وفي مكانه، وكل نقل احتفاله الصغير بخدمة اللايف، وفي نفس التوقيت وهكذا تسنى لصديقتي أن ترى أخاها يرقص بين أصدقائه في استوكهولم، وعروسته ترقص له في حفلة صغيرة جمعت بعض الأهل والأصدقاء في القاهرة.
أم هشام لم تمرر فرحتها بابنها الوحيد دون أن تجمع أحبائها وأهلها في حفلة صغيرة في البيت الدمشقي الذي أصبح خاويا إلا منها.
الفسحة السماوية في البيت الشامي التي تضم بحرة الماء والنافورة في وسطها، وتحيطها شجيرات العراتلي والياسمين والورد البلدي وتزينها شجرة النارنج الشهيرة، الفسحة التي كانت تتسع لسهرات العائلة والأقارب وتضج بالضحكات وأصوات الفرح ، تحولت لفسحة من نوع جديد، صارت مجموعة مغلقة في موقع التواصل الاجتماعي الأشهر، تضم كل من كان يسهر بتلك الباحة صيفاً، واستمروا بالسهر يومياً.
لم تعد السهرات حكراً على أيام الصيف، ولم يعد صحن الكبة وطبق التبولة لزاماً فيها، ظلت السهرات مستمرة لكن ضحكات الفرح تحولت لأحاديث ذكريات، النكات الصاخبة صارت أنيناً، والشوق بات بحراً.
تحولت الفسحة السماوية إلى صفحة افتواقعية، أعضاؤها صور وأسماء، تواصلها محكوم باتصال الشبكة، فسحة شوق تفتح باباً للحياة على أمل اللقاء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية