لم يعد الدم السوري مغرياً بكل انتماءاته للقنوات العربية وسواها ممن صنعت منه على مدار سنواته مادتها الرئيسة التي جلبت لها مشاهدات الملايين، وصار الخبر السوري بالكاد يحتل زاوية مهملة في نشرات الأخبار منذ أن تحول الصراع إلى إقليمي بين الجيران، ودولي بين القوى العظمى.
وفي تهاوي قيمة ما يحدث على الأرض السورية بات على سبيل المثال سقوط مدينة تحت البراميل لا يساوي أكثر من تقرير لمراسل لا يعمل، وإن زادت التغطية عن ذلك من الممكن استضافة ناشط محلي على السكايب ليردد نفس العبارات التي تهوى هذه القنوات حضورها لتبقي على هامش المشاهدة الضئيل.
لم يعد النازح خبراً، ولا اللاجئ..اللهم إلا إذا كان الغرض اتهامه بالهجوم على منشأة مدنية أو تفجير ملهى ليلي في مدينة هادئة، أو لاتهامه بنشر مرض السرطان في بلد شقيق، ومساهمته بزيادة البطالة بين مواطنيها.
وسائل إعلام شقيقة باتت مهنتها رصد واقع اللاجئين السوريين ليس من باب النظر إليهم كإخوة يعانون الفقر وويلات الحرب بل كاستثمار في قضايا داخلية وهامشية أحياناً، وبات السوري محرضاً على الكراهية، والسوريات لا مهنة لديهن سوى الدعارة والمخدرات، وحتى بلدان الربيع العربي أدخلت في قاموسها جهاد النكاح كاختراع سوري محض أنتجته الثورة التي تأسلمت هناك.
في الداخل.. ومنذ ما يقرب من عشرة أيام لم تتوقف الطائرات الروسية وطائرات النظام عن إسقاط حممها على ريفي حماة وإدلب مخلفة وراءها دماراً كبيراً ومئات الآلاف من المشردين، وهؤلاء افترشوا العراء والبساتين ولاحقتهم الطائرات حتى في هروبهم.
هذا الشتات الجديد لم يكن مغرياً للقنوات العربية لإعادة تشغيل ماكينة مصالحها وانتهازيتها، ولا شيء سوى بعض اللقطات التي تعاد دون التفات لما يحصل من فظائع على الأرض، ودون موضوعية كانت تكفي لإظهار كم الوحشية، وأقل من ذلك ذات يوم ليس بالبعيد كان يكفي هذه القنوات لتستنفر مراسليها وناشطيها على مدار الساعة.
اليوم يبدو أن هناك من قرر أن سوريا يجب أن تكون خارج الأخبار، وأن تعليمات سيادية عليا صدرت بترك الساحة السورية للعماء الإعلامي والإنساني، وأن هذا الموت المكرر سبق وأن تمت مشاهدته.
أما الحقيقة الفجة فهي أن هناك من أمر هذه الشاشات بالصمت، وأن تلتفت إلى ألأخبار التي يمكن أن تخدم مصالح مموليها المتصارعين، ولذلك سيكون الخبر السوداني واليمني أولى بالاهتمام، وأن تظاهرات السترات الصفراء تستحق يوماً كاملاً من التغطية المتواصلة لصورة ثابتة في الشانزليزيه، وأن تدمير محل لبيع الملابس هناك أهم من تدمير بناء بمن فيه من أشلاء الأطفال والأمهات.
بانتظار أن يتوافق عرابو الدم السوري الأشقاء سيبقى العماء سيد الشاشات، وفقط عناوين الصراعات الهامشية في طرابلس والخرطوم والجزائر هي من تسيطر على الألوان الصفراء والزرقاء والحمراء للشاشات المغرضة.
*معارض وكاتب سوري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية