أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محاكمة فتحي الصافي ميتاً... علي عيد*

الصافي

تواصل معي صديق قديم مازال مقيما في دمشق، طلب مني أن أعذر بقاءه لأن له أمّاً يرعاها، وأنه سبق وأن فقد والده واثنين من إخوته في حربهم السياسية القديمة ضدّ نظام الأسد، خجلت من نفسي وقد عرفت أن الرجل يراجع أفرع المخابرات كل شهر، وأنه تعرض لتجربة الاعتقال ثلاث مرّات، لكن الصديق آثر السكوت طيلة سنوات الثورة، فهو لا يملك لإكمال مهمة رعاية والدته المقعدة وأولاده الخمسة سوى راتبه كمدرّس، أضف لبعض عائداته من الدّروس الخصوصية.


حضَرت صورة الصديق مع صورة رجل الدين فتحي الصافي والجدل الحاصل إثر وفاته تحت المرض (السرطان)، إذ لم يكد يبرد جسد الميت حتى تقابلت الخصوم بين مترحم ولاعنٍ، وليس من العدل أحيانا المساواة بين رأي وآخر، غير أن العدل يفرض أن نسمع كل رأي، ويبلغ الخراب مداه حينَ تطلب من الآخر الذي تقف في صفّه أن يعرض أمامك دليلاً على توصيف رجل دين بسيط كأمير حرب أو قاتل فيعتبر أن بقاءه على المنبر وعدم انكفائه وصمته حجة كافية.


من قال لك أيها الثائر إن على الجميع أن يؤمنوا بثورتك، ومن قال لك إن بإمكانك تصفية كلّ من لا يكيل بصاعك، أوليست تلك ذات المصيبة التي ابتليت فيها سوريا مع نظام يعتبر الصامت خائناً ويريد من الجميع أن يحملوا السكاكين في أيديهم، وأن يقاتلوا تحت شعار الأسد أو نحرق البلد.


ليس صحيّاً ولا صحيحاً أن نعتبر كلّ من بقي في مناطق سيطرة النظام مجرّد قتلة وشركاء في إلغاء وتصفية الآخر حتى وإن كان هذا الآخر هو نحن، فداخل القفص الكثير من الأسرى، أسرى وضعهم الاجتماعي أو المادي، كما أن هناك سجّانون وحرّاس لهذا القفص ومن بينهم رجال دين وسياسة وصحافة وعسكر وهؤلاء قصّة أخرى.


بات إنكار الآخر وفرزه ظاهرة، وتعزّز الانقسام شاقولياً وعرضياً، ويعتبر هذا الحال انعكاساً طبيعياً للحرب التي بدأها النظام على الشعب بعد اندلاع الثورة، ثم دخول أطراف عديدة، وظهور جماعات متطرفة وميليشيات مذهبية وحزبية تعمل برعاية وإشراف وتمويل دول وأجهزة استخبارات.


في سوريا ليست القصة قصة رجل الدين فتحي الصافي، والنفخ في كير الكراهية له أسبابه وأبعاده التي عزّزها إعلام النظام والمتحدثون بلسانه منذ اللحظة الأولى، وعلى الطرف الآخر لم يستطع الإعلام الآخر الوصول برسالته إلى الجميع، فكان منفعلاً وخائفاً ومتأثراً بحجم الجريمة، وفقيراً إلى درجة عدم ظهور إعلام سوري معارض وطني خالص وممول من جيب السوريين فقط.


تشير عشرات الدراسات إلى أن الحروب والصراعات غالبا ما تعقبها أزمات وآثار اجتماعية ونفسية عميقة، وتزداد الرغبة بالانتقام، وينتشر خطاب الكراهية ورفض الآخر.


في سوريا التي لم تضع فيها الحرب أوزارها بعد، ليس معلوماً شكل دولة الغد بعد، وما إذا كانت الأطراف المتنازعة ستسمح أساساً بعودة الجغرافيا إلى ما كانت عليه، فالتقسيم النفسي الذي بدأنه نظام الأسد تحول إلى تقسيم جغرافي تابعته قوى إقليمية ودولية، وعلاج القضايا النفسية والاجتماعية يحتاج أساساً لاستقرار لا يبدو أنه قريب المنال.


لا إن مات فتحي الصافي ولا حتى بشار الأسد سيستطيع السوريون علاج أزمتهم وإعادة بناء شخصيتهم المجتمعية بسهولة، وأكثر ما هو ملحّ هو قيام من يُعتبرون مؤونةً لعهد وطني لاحق بتبني خطاب متحضّرٍ يعي فداحة الكارثة، والغريب أن كثيراً ممن يعتبرون أنفسهم نخبة سياسية وإعلامية يتغذون على خطابٍ تحريضيّ يصرّ على تقسيم السوريين إلى مع أو ضدّ.


عزيزي السوري.. لا مناص من قبول الآخر إن لم تكن "حجته في رقبته" كقاتل... ويقول ابن رشد: "من العدل، كما يقول الحكيم أرسطو، أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه".

تصويت

كيف تنظر لموقف الشيخ فتحي صافي من جهة النظام والثورة..؟

*من كتاب "زمان الوصل"
(269)    هل أعجبتك المقالة (257)

معلق

2019-05-08

تعقيبا و استفاضة : من أسوأ ما حرر في تاريخ هذه الثورة هو التصرفات الرعناء و التصفيات الجسدية التي حدثت باسم الثورة في منطقتي من شرقي حلب في رمضان 2012 لإجبار الناس على ترك أرزاقهم و التضحية بأولادهم و تصنيفهم حتى قبل إعطائهم الفرصة لاتخاذ قرارهم بأنفسهم. من حق الإنسان ان يكون ضد ثورتكم و في نفس الوقت أن لا يكون مع النظام. من حق الإنسان أن يعبر عن رأيه أيا كان بشكل سلمي بدون أن يتم تخوينه و من واجب جميع الأطراف و خصوصا الثورة الشريفة أن تعرض نفسها للمخاطر لضمان حرية الفرد في التعبير هذه حتى لو لم تتفق معه..


حسان الجبل

2019-05-09

ما يترتب على علماء الدين من المسؤولية والتبيان لا ينطبق على العامة فعالم الدين تترتب عليه أمانة التبيان وإن اغفلها فهو آثم او منافق.


خالد الصغير

2019-05-09

الله يرحم الشيخ فتحي الصافي.


ايمن عكيل

2019-05-09

مفارقة : إن الذين حملو السلاح كانت إحدى حججهم انهم يريدون حرية التعبير ثم صوبوا اسلحتهم نحو كل من خالفهم الرأي.


انس

2019-05-11

موضوع مخربط حد فيكم فهم حاجة.


الاعظمي

2019-05-16

مقال لا يستحق القراءة ولا التعليق !.


قلب

2019-05-17

رحم الله الشيخ فتحي الصافي.


التعليقات (7)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي