أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تقييم الدور التركي في سوريا... ماهر شرف الدين*

طفل هارب من القصف في الشمال السوري - جيتي

غالباً ما يختلف سوريُّو الثورة في تقييم أدوار الدول التي يعتبرونها مساندةً لهم، بين رأي سلبي وآخر إيجابي وثالث موضوعي.
ولكن هذا الاختلاف سرعان ما يتحوَّل خلافاً كبيراً، إلى درجة الاستقطاب الحادّ، حين يصل التقييم إلى الدور التركي.
تقريباً، تغيب الموضوعية والاعتدال في التقييم؛ بين كارهٍ لا يرى في هذا الدور إلا التآمر على الثورة السورية، ومُحبٍّ لا يرى في هذا الدور إلا الجانب الإنساني مُردّداً مصطلح أردوغان الشهير في وصف دور بلاده: "المهاجرون والأنصار".
وبالطبع أسباب ذلك متشعّبة، ربما تبدأ بإشكالية التاريخ العثماني في بلادنا، ولكنها لا تنتهي حاضراً بالدعم التركي لتوجُّه معيَّن على حساب التوجُّهات الأخرى.

***

لكنَّ قراءةً موضوعيةً للدور التركي في سوريا، تضع الحبّ والكره جانباً، ستضع أيضاً مفردات ذلك الاستقطاب جانباً.

فتركيا، ككلّ دول الأرض، لها مصالحها القومية العليا التي تبني عليها جميع تحرُّكاتها السياسية. ولا بأس تحت سقف هذه المصالح بأن يكون ثمَّة دور إنساني مهم.

هذه هي القاعدة التي سار عليها أردوغان (الإسلامي)، والتي كان سيسير عليها خصومه (القوميون) لو كانوا مكانه.
مع الأخذ بالحسبان فوارق فهم تلك المصالح القومية العليا لدى كلّ من الرئيس الإسلامي الذي يرى في ظهور "عثمانية" جديدة مصلحةً كبرى لمكانة تركيا، وخصومه القوميين الذين يرون في صيانة الخطّ العلماني، الذي أرساه المؤسّس أتارورك لأحفاده، صيانةً لتلك المصالح العليا.

تحت هذا السقف تعامل أردوغان مع القضية السورية. وتحت هذا السقف حاول في بداية الثورة تقديم النصح لبشار الأسد موفداً إليه رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو. وتحت هذا السقف، أيضاً، أعلن الوقوف الكامل إلى جانب الثورة في سوريا فاتحاً أبواب بلاده لأكثر من مليونَيْ لاجئ سوري.

فجأةً، ارتطم رأسه بشيءٍ في الأعلى تبيَّن بأنه المصالح القومية العليا لبلاده. ولأجل ألا يتكرَّر مثل هذا الارتطام عقدَ أحلافاً وثيقةً مع الذين يُعتبرون من ألدّ أعداء الثورة السورية.

فالتطوّرات الميدانية التي عصفت بالثورة في سوريا -وخصوصاً نشوء ما يُعتبر كياناً كُردياً في الشمال السوري- عصفت بمخطّطات أردوغان أيضاً.

وكذلك فعل التعقيد الداخلي (محاولة انقلاب فاشلة) والإقليمي (مواجهة كسر عظم مع المحور السعودي الإماراتي المصري) والدولي (الضغوطات الأميركية).

اختلاط الأوراق في المنطقة، وإرهاصات الكيان الكُردي السوري، وتدهور حال الاقتصاد التركي الذي كان السُّلَّم الأساسي لصعود أردوغان إلى قمَّة الهرم السياسي، ناهيك عن ضغط ملفّ اللاجئين (يعزو إليه بعض المحلّلين خسارة أردوغان لبلدية إسطنبول في الانتخابات البلدية الأخيرة)... كلُّها عوامل وضعت الرئيس التركي في موقف متناقض لا يُحسَد عليه.
فهو من جهةٍ أُولى يعطي يده اليمنى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويده اليسرى لنظام الملالي في طهران، ومن جهةٍ ثانيةٍ يُعطي لسانه وعاطفته للسوريين.

***

إنَّ تقييم الدور التركي في سوريا يجب أن ينطلق من تقييم التحالفات السياسية الإقليمية والدولية، وليس من تقييم التصريحات الداخلية. بمعنى أنَّ التقييم السياسي الاستراتيجي شيءٌ، والتقييم الإنساني العاطفي شيءٌ آخر.

التوافقات الروسية التركية في ملفّ إدلب، التي تتعرَّض اليوم لحرب الأرض المحروقة، هي التي يجب أن تتمّ مناقشتها، وليس ردّ المسؤولين الأتراك على الأصوات العنصرية ضدّ اللاجئين السوريين في تركيا.

*معارض وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(239)    هل أعجبتك المقالة (254)

Smart Surgeon

2019-05-05

تحليل اتفق معه تماماً ، لكن ما هي توقعاتك أستاذ ماهر ؟.


fadi

2019-05-06

فهو من جهةٍ أُولى يعطي يده اليمنى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويده اليسرى لنظام الملالي في طهران، ومن جهةٍ ثانيةٍ يُعطي لسانه وعاطفته للسوريين. مع الاسف اظن انه اعطى الشعب السوري الذي وثق به شيئ اخر اخجل ان اذكره تتوالى الطعنات في ظهر الشعب السوري ممن ظن انهم المعيل فاكتشف انهم يستخدمون جسده سلما للوصول لما تسميه المصلحة القومية العليا وهل احتلال جزء من سورية ضمن هذه المصلحة وترك الباقي لباقي المحتلين ضمن اتقاق سايكس بيكو جديد تنال فيه تركيا من الجمل ذيله.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي