أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الديكتاتورية بوصفها "وطن"... مزن مرشد*

الحكومة الفنزويلانية الحاكمة والمؤيدون اليساريون والعرب وصفوا طالبي الخلاص من حكم الاستبداد بالخونة.

"مجموعةٌ صغيرة من العسكريين الخونة قامت بعملية تمرد فاشلة".

بهذه الكلمة "خونة" أعلنت كراكاس فشل الانقلاب العسكري الذي قامت به مجموعة من الضباط، ضد حكم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

ليس هذا الانقلاب الأول الذي تشهده فنزويلا، فقد فشل قبله انقلاب 11 إبريل /نيسان 2002 ضد هوجو تشافيز، رئيس البلاد آنذاك.
كلاهما أي مادورو، وتشافيز أمسكا بالبلاد من عنقها، فاستفردوا بالحكم وأذاقوا الشعب ألوان الديكتاتورية، كلاهما كان هو الدولة والدولة هو، فعندما كنا نسمع تحيا فنزويلا من الشعب المُقاد بقبضة من حديد، كان معناها قولاً واحداً يحيا تشافيز، بنفس الطريقة التي حُفِّظ فيها جيل كامل في سوريا "قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد".

نائبة الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز قالت: "المجموعة تريد الانقلاب على الدستور والسلام في البلاد" أي أن مادورو، ومادورو فقط هو حامي السلام، كما يحمي بشار السلام في سوريا، ويا له من سلام.

بذات الخطاب وذات الطريقة تتصرف الديكتاتوريات، فحين يوصف منفذو الانقلاب هنا بالخونة، يوصف آلاف السوريين الذين خرجوا على الديكتاتور بالجراثيم، وحين يوصف هنا، أن من أفشل الانقلاب هم الوطنيون الداعمين لحكم الرئيس، يوصف من بقي تحت البسطار العسكري السوري بالوطنيين الشرفاء، فهل باتت الكرامة خيانة؟ والوطن هو الزعيم؟

يقف اليسار العربي مع تشافيز ومادورو من بعده، كونهما انتهجا سياسةً معادية لأمريكا، كما كان الأسد ووالده من قبله ممانعين للعدو، الذي حميا حدوده طيلة أربعين عاماً ونيف، محاربين للامبريالية الأمريكية عبر شعارات رنانة، بالرغم من أن مادلين أولبرايت وزيرة خارجة أميركا السابقة، في يوم تأبين حافظ الأسد، جلست مع الوريث قبل دفن الأب، وأتحفتنا بتصريحها الشهير من أمام نعش الأسد الأب:"الآن أستطيع القول بأنني مطمئنة على مستقبل سوريا، بوجود شاب مثل بشار" عندها طوّب حكم الوريث الممانع، بمباركة الامبريالية.

دعمت أمريكا سريعاً، المعارض الفنزويلي خوان غوايدو المؤيد للانقلاب والذي سبق وأعلن نفسه رئيساً بالوكالة للبلاد، لينبري المحللون واليساريون العرب، بالدفاع عن شرعية مادورو بانحياز ملفت، مبررين ذلك بأنه جعل من فنزويلا دولة مواجهة للولايات المتحدة الأمريكية وللامبريالية الغربية، متناسين التدهور الاقتصادي والتردي الاجتماعي الذي كان نتيجة مباشرة لسياسات مادورو الخاطئة.

فالبلاد التي تملك أعلى احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية وفق صندوق البنك الدولي، بما يقارب 300 مليار برميل، عانت الفقر والعوز، بفضل الفساد المتراكم من حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز، والذي تفشى بشكل أكبر في عهد مادورو، ما هشم النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لتحتل فنزويلا المركز التاسع عالمياً في أكثر الدول فساداً، حسب منظمة الشفافية الدولية، ليمسي بين عشية وضحاها 80% من سكان البلد الغني تحت خط الفقر، ويصل التضخم فيها إلى 20000%.

ومازلنا نذكر حين شنت الولايات المتحدة غارات صاروخية على مواقع عسكرية للنظام، رداً على ارتكابه مجاز الكيماوي في الغوطة، في أبريل 2017، كيف تصدى لهذه الضربة الخجولة أغلب النشطاء والصحفيين في أمريكا اللاتينية المؤيدين للأسد الممانع، البطل، الذي يرونه يحارب "الامبريالية الأمريكية"، متناسين بعلم أو دون علم، أن الأسد يقتل شعبه بأبشع أنواع القتل، وبأن كثيراً من السوريين أنفسهم كان يؤيد هذه الضربات.

الحكومة الفنزويلانية الحاكمة والمؤيدون اليساريون والعرب وصفوا طالبي الخلاص من حكم الاستبداد بالخونة.

الحكومة السورية ومؤيدوها من شتى المشارب والقوميات، وصفوا من خرج مطالباً بالكرامة والحرية بالخونة أيضاً، عبر تواطؤٍ فكري ساذج يشيطن الآخر، ويكرس لحكم الفرد تحت ذرائع شعارات لاءات أكل الدهر عليها وشرب.

تتشابه الديكتاتوريات، ويتشابه الخطاب، وتبقى الشعوب أبداً صاحبة الكلمة الحق، فإذا الشعب يوماً أراد الحياة فبالتأكيد سيستجيب القدر ولو بعد حين.

*من كتاب "زمان الوصل"
(203)    هل أعجبتك المقالة (209)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي