يتساءل البعض عن إمكانية الحصول على مياه للشرب بعد عدة سنوات، طالما تقنن المياه الآن لأكثر من 15 ساعة يومياً، إذا أخذنا بالاعتبار عدد السكان الذي تجاوز -حسب الإحصاءات الرسمية- 20 مليون نسمة، وقد يصل -طبقاً لمصادر أخرى- إلى أكثر من ذلك بكثير، في ظلّ نمو سكاني مرتفع نوعاً ما.. وهنا مصدر القلق؛ فهل هناك حقاً أزمة مياه معاشة أو متوقعة على الأقل، أم أنَّ المسألة لا تتعدَّى زوبعة في فنجان، والظاهرة عرضية بسبب الجفاف؟.
«العجز اليومي في دمشق 130 ألف متر مكعب. وهذا العجز يمكن تجاوزه من خلال التقنين ومكافحة الهدر، وكلما زاد العجز نستطيع إيجاد بدائل رديفة وبديلة، وكذلك الحال كلما ازداد الطلب على المياه»؛ بحسب قول موفق خلوف مدير عام مياه دمشق، الذي أضاف: «دمشق تعتمد على مصادر عديدة، أهمها نبع الفيجة وآبار مدينة دمشق وآبار رديفة، وهناك مصادر أخرى مثل جديدة يابوس والسومرية». ولكن الفكرة، التي يجب ألا تغيب عن الأذهان، أنَّ عدد سكان دمشق يزداد بشكل مخيف، وباتت المحافظة تشهد ازدحاماً غير مسبوق؛ الأمر الذي يتطلب توفير كميات مياه بأضعاف مضاعفة، لتلبية الطلب المتزايد على المياه نتيجة الزيادة الهائلة في عدد السكان. لكن المهندس خلوف خرج برأي مخالف، حيث يقول: «كانت حاجة دمشق عام 1999 نحو 720 ألف متر مكعب من المياه، أما الآن فإنَّ الحاجة لا تزيد على 560 ألف متر مكعب، رغم الزيادة في عدد السكان. وهذا التراجع في الحاجة على المياه جاء من خلال عدة إجراءات قامت بها المؤسسة، مثل تبديل الشبكات، وتعميم الوصلات النظامية على المواطنين، وتعميق ثقافة ترشيد المياه التي تعتبر من أهم الإجراءات، فهي تعتبر بمثابة إيجاد مصادر أخرى كلما كافحنا الهدر. ومن الإجراءات أيضاً التنقيب عن التسرب». فالمشكلة بسيطة على حدّ تأكيدات مدير عام مؤسسة مياه دمشق الذي هوَّن المسألة، مشيراً إلى أنَّ الفجوة موجودة بين الحاجة والمتوافر، لكن مؤسسة مياه دمشق تستطيع إعطاء المياه المطلوبة لكلّ مواطن في دمشق؛ مؤكداً أنَّ هناك دراسات قامت بها المؤسسة مع جهات أجنبية لمعرفة حاجة مدينة دمشق من المياه حتى عام 2040، وقامت المؤسسة بتأمين مصادر المياه التي تفي بهذا الغرض حتى ذلك العام.
ناقوس الخطر
المسألة -على ما يبدو- ليست بهذه البساطة، بل لم يعد منطقياً الاستمرار بتهوينها وتبسيطها، بل يجب السعي بجد واجتهاد لإيجاد الحلول الكفيلة بإخراجنا من أيّ أزمة محتملة. يقول خبير المياه الدكتور المهندس معن داوود في دراسة أعدها حول التحديات المائية لسورية، على ضوء التطورات الإقليمية عام 2007: «لا تعاني سورية من سوء إدارة الموارد عموماً وضعف استثمارها المكثف وحسب، بل من محدوديتها وندرتها، ومن تآكلها بفعل سوء إدارتها المؤسسية وافتقادها إلى معايير الإدارة التنموية المتكاملة للموارد عموماً وللموارد الطبيعية والبيئية خصوصاً، لا سيما المحدودة منها وغير المتجددة (مياه، طاقة، أراضي). لذا تصبح محدودية الموارد، المترافقة مع التغيرات المناخية المتوقعة بفعل الاحتباس الحراري، والتي تزيد من محدودية الموارد، بالترافق مع سوء الإدارة الناجم عن قلة الفرص وانخفاض السوية المعرفية بصيرورة وتطور الواقع، العاملَ الأول المحدد لتدهور التنمية البشرية في مناطق الجمهورية العربية السورية كافة.
ينعكس هذا في ازدياد التمايز الاجتماعي الوطني، وعلى مستوى الأقاليم البيئية والأحواض المائية عموماً، وبين مناطق الحضر والأرياف خصوصاً، مما يعود لاحقاً ازدياداً في حدة الفقر وتأثيراته المتفاقمة على الفئات الأكثر عرضة للتأثر (النساء والأطفال)».
الزراعة.. المستهلك الأكبر
المسألة تتعقد أكثر وتتشابك، لأنها مترابطة ولا نستطيع تجزئتها؛ فإذا أمنّا مياه الشرب للمواطن فهذا لا يكفي، لأنَّ الإنسان لا يعيش بالماء فقط، فمن الواجب تأمين المياه للزراعة لأنها مرتبطة بالأمن الغذائي. المهندس موفق الشعار (مدير مكتب الشؤون الزراعية في اتحاد الفلاحين)، يقول: «تبيّن المعلومات المتوافرة والإحصاءات أنَّ الجفاف يهدّد مساحات كبيرة من الأراضي، تشكل نحو 60 % من المساحة الإجمالية. وأهم المناطق المتأثرة والمهددة هي المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من سورية، والتي تتراوح معدلات أمطارها بين 100 - 250 مم سنوياً»، مشيراً إلى أنَّ «الدراسات تؤكد أنَّ ربع سكان سورية أو أكثر قليلاً يعيشون في المناطق المعرضة للجفاف والتصحر بشكل مباشر». وحدَّد الشعار أهم آثار مظاهر الجفاف في سورية، منها مثلاً: «ازدياد مساحة الأراضي البور، وخروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية البعلية من الزراعة، وتدني إنتاج المراعي وزيادة الضغط عليها، وتراجع الحالة العامة للثروة الحيوانية، وانخفاض مستوى الماء الأرضي في الآبار، وارتفاع تكاليف مياه الري، وتأثر بساتين الأشجار المثمرة وانخفاض إنتاجها، وتراجع وضع الغابات، وانخفاض واضح في مخازين المياه في السدود، وتراجع تنفيذ الخطط الزراعية، وارتفاع تكاليف الإنتاج حتى المحاصيل الاستراتيجية والرئيسة». ويضيف الشعار: «الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنَّ قيمة الإنتاج الضائع من المساحات التي خرجت من الاستثمار خلال السنوات الأخيرة، تقدَّر بين 5 إلى 8 مليارات ليرة سنوياً. ولعلَّ أهم آثار الجفاف تكمن في توقف الفلاحين وسكان المناطق المتأثرة بالجفاف عن ممارسة عملهم ونشاطهم في الزراعة وهجرتهم إلى المدن المجاورة والمدن الكبيرة. وأخطر النتائج الاقتصادية للجفاف انعكاسه على موضوع الأمن الغذائي الوطني الذي تبنته سورية».
دراسات تفصيلية غائبة
«يجب أن نستفيد من وفرة المياه المهدورة، ولاسيما من خلال وسائل الري الحديث وزراعة المحاصيل المفيدة، وكذلك ربط الري الحديث بتقنين المساحات المزروعة. ويمكن توفير المياه من خلال حصاد المياه في البادية عن طريق السدود، وكذلك يجب أن تحصد مياه الأمطار الموجودة في الساحل، وقد بدؤوا، وفي هذا المجال، بغرض تخزينها لأغراض الشرب والزراعة»؛ يقول المهندس رفيق دياب (خبير المياه).. مضيفاً: «الدراسات الموجودة هي دراسات عامة وليست تفصيلية. لذلك ينبغي زيادة الدراسات الدقيقة لمعرفة مقدار المياه الجوفية. وعلى سبيل المثال، لا تنزل الدراسات حالياً لأكثر من عمق 800 متر. ولو تعمقنا لاكتشفنا مصا=در جوفية جديدة. وهذا يؤكد ضرورة الدراسات التفصيلية». وأوضح دياب: «مياه الشرب ستتحول إلى صرف صحي. وبالتالي، هناك إمكانية لمعالجتها واستخدامها من جديد، وكذلك مياه الري، وهناك أكثر من طريقة للاستفادة منها. والحلّ الأخير للحصول على مصادر مياه جديدة، هو تحلية مياه البحر، ولكن هذا الحلّ مكلف مادياً جداً».
دجلّة يقرر
في الدراسة التي أعدها الدكتور المهندس معن داوود يؤكد أنه يمكن استشراف الموازنة المائية الوطنية في سورية بالاستناد إلى المعايير المبينة سابقاً، وحساب الاستخدامات المختلفة لعدد السكان عند معدلات نمو سكاني وسطية متوقعة حتى عام 2025 تبلغ 2.03 %، وذلك لاحتمال موارد مائية لسنة جافة تقابل احتمال ورود 75 % كما هو مقرّ حكومياً عند التخطيط للزراعات المروية (باعتبار الزراعة المستهلك الأكبر للمياه)، كما تمَّ تثبيت المساحات المروية المزروعة عند سقف المساحات الممكن استثمارها مروية لتلبية حاجة السكان عند الشروط السابقة، والبالغة نحو 1600 ألف هكتار، على أن تثبت المساحات المروية حالياً في جميع الأحواض المائية ويتمّ التوسع في المساحة في زمام مصادر المياه الجوفية.
وفق هذه الشروط، تكون الموازنة المائية الوطنية المتوقعة للعام 2006 لاحتمال واردات مائية تقابل احتمال 75 %، في حالة عجز تقدر بـ2544 مليون م3، مما يزيد بنحو 750 مليون م3 عنه لسنة متوسطة الموارد. أما وضع الموازنة المتوقعة عام 2025 عند استمرار الوضع الراهن لكفاءة استخدامات المياه، فهو حالة عجز تقدر بـ4210 مليون م3، ويكون وضع الموازنة الوطنية عند تطوير كفاءة استخدامات المياه (75 % في القطاع الزراعي، 80 % في قطاع الشرب والتزويد المديني). وعند عدم إمكانية الاستفادة من حصتنا من مياه نهر دجلة تكون الموازنة المائية في حالة عجز يقدر بـ473 مليون م3. أما عند الاستفادة من مياه هذا النهر، وفق الحصة المتفق عليها في الاتفاق المؤقت مع الجمهورية العراقية، تكون الموازنة المائية الوطنية المتوقعة في حالة وفرة تقدر بـ777 مليون م3.
من أين سيشرب 30 مليون سوري عام 2025؟!
علي الخلف - بلدنا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية