أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محطات الممانعة الأخيرة.. عبد الرزاق دياب*

من دمشق - أرشيف

وصل الدولار إلى مستوى لم يبلغه منذ ثلاث سنوات 580 ليرة مقابل الدولار، وهذا قابل للتدهورفي الأيام المقبلة التي ترتفع فيها وتيرة الضغط الاقتصادي على حلفاء النظام الكبار، وفي نفس الوقت تضغط روسيا للحصول على ما بقي من كعكعة الاقتصاد السوري، وهذا أيضاً تحقق بتأجير مرفأ طرطوس لخمسين سنة قادمة.


وجه النظام المتماسك الذي حاول الحفاظ عليه طوال سنوات الحرب هشّمته الأسابيع الأخيرة التي ظهر فيها منهكاً لا يملك إلا التسويف الذي لم يعد ينطلي على حثالة مؤيديه، وانتشرت طوابير البشر والسيارات المنتظرة أمام محطات الوقود كتعبير صريح على العجز حتى عن ضبط مشهد الخراب في ساعاته الأخيرة.


أبواق النظام الإعلامية حاولت جاهدة الدفاع عن مشهد الخراب بالنكتة تارة، وبإلقاء اللوم على "المؤامرة ودواعش الداخل" والحصار لكنها لم تفلح، وارتفع منسوب الإسفاف في التبرير لدرجة تصوير مشاهد الذل على أنها مشاير ترويحية كما وصفها الشيخ المطرود مأمون رحمة مختصراً بذلك موسماً جديداً من التضليل العاري.


الإيرانيون بين اعتراف بالعجز أيضاً، وبين مكابر لا يريد أن يتخلى عن الصبي المدلل في دمشق، ولهذا أصروا شهوراً عبر زيارات على مختلف المستويات يقول إننا هنا، ولن نتركك وحدك فيما تخرج أصوات بين حين وآخر تشي بعكس ما يردده ظريف أو روحاني، ومطالبات بالديون المستحقة، وضرورة أن تذهب أموال الدعم إلى جيوب وبطون الشعب الإيراني الذي بات يئن كالسوريين من هول الحصار.


الروس يريدون بقاء النظام لإضفاء مشروعية لهم، وهم إذ يرون فيه شريكاً لا نقاش حول بقائه يغمزون من ضعفه تارة، ويصمتون عن سيل الضربات الإسرائيلية التي تنهكه معنوياً، ولا يجدون غضاضة في السكوت عن انتزاع جولان الصمود التي طالما كانت شماعته في استلاب مقدرات السوريين.


بالأمس القريب وقع النظام عقد تنازل طويل الأمد عن مرفأ طرطوس على البحر المتوسط بعد أن تنازل سابقاً عن اجزاء واسعة من الساحل السوري بين قاعدة جوية وبحرية، وبعض الأراضي كمشاريع للإيراني الذي يريد أيضاً ديونه المالية والمعنوية، وهذا كله يأتي في ظل تراجع الدعم واقتراب الانهيار.


الإيراني اعترف أخيراً بأنه منذ شهور لم يدخل قطرة نفط للنظام، والروسي يريد أن يدخل من هذه الثغرة للحصول على ما يعتبره استرداد لقيمة السلاح المبذول لإبقاء الكرسي صامداً في المهاجرين، وأما السوري فليس له سوى طابور الذل أسوة بنظام بات لا يملك من أمره شيئاً.


حزب الله الشريك الآخر تؤكد آخر التقارير أنه بات يستجدي التبرعات من مواليه وعناصره بعد أن نفذت سلة الإيراني الداعمة، وفي الداخل اللبناني ثمة ما يشي بمواقف صارمة تحمله مسؤولية عزلة لبنان وتحوله إلى بقعة سوداء قابلة للانفجار.


على المستوى العسكري ثمة صراعات قادمة محلية برعاية خارجية كما هو حال الحرب السورية طوال أعوام الصراع التي حولها النظام من ثورة إلى مذبحة، فالإسرائيلي عينه على الإيراني، والأمريكي عينه على الجميع بما فيهم الروسي، وأما التركي فيريد بينهما شريطاً آمناً بأقل التكاليف الداخلية، ومعه ما بقي من معارضة رسمية وضعت مقراً لها منذ أيام بتوافق الجميع على حصتها.


السوري الضعيف هناك حيث يوسعه النظام جوعاً وحصاراً، وفي الطرف الآخر السوري الذي يوسعه الروسي والنظام قصفاً واستنزافاً، وفي الحالتين وطن أنهكه الصراع، وكذبة ما زال يحمل رايتها مرتزقة على وشك الاستسلام، وقلعة صمود في أيامها الأخيرة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(189)    هل أعجبتك المقالة (192)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي