طوال سنوات الحرب الماضية، لم تشهد سوريا مثل هذه الأزمة الخانقة التي ضربت البلاد جرَّاء فقدان مادَّة البنزين.
بتاريخ التاسع من نيسان الفائت، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره المصري عبد الفتَّاح السيسي، وهمس في أُذنه همسةً استطاع رادار الإعلام الغربي التقاطها: امنعْ ناقلات النفط الإيرانية من عبور قناة السويس.
في أعقاب تلك الهمسة، علا ضجيجٌ في شوارع دمشق تبيَّن، في ما بعد، أنه صوت السائقين الغاضبين من انتظارهم الطويل أمام محطَّات الوقود الفارغة.
في العاصمة، صار لا يمكن قياس طول بعض تلك الطوابير إلا بالكيلومترات. وبلا أي مبالغة، صارت المسافة بين أوَّل الطابور وآخره تكفي لمرور مخطَّط كبير مثل مخطَّط تقسيم سوريا.
في ذروة الأزمة، طارَ نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف إلى دمشق للقاء بشار الأسد. كانت ثمرة اللقاء اتفاقاً معلناً على تأجير (الأصحّ: نقل ملكية) ميناء طرطوس لروسيا لمدَّة 49 عاماً، واتفاقاً غير معلن على أن تتولَّى روسيا مهمَّة تزويد النظام بالوقود بدل إيران.
مكمن الخطورة في هذا الاتفاق سلَّطت الضوء عليه صحيفةٌ روسيةٌ، "نيزافيسيمايا غزيتا"، حين سرَّبت من اجتماع الأسد - بوريسوف ما قاله الثاني للأوَّل عن أنَّ "حقول النفط الرئيسية في سوريا باتت الآن بعيدةً عن متناول يد حكومته".
مثل هذا الكلام له ترجمة وحيدة بلغة السياسة: انسوا المنطقة الشرقية (الغنيَّة بالنفط) التي تسيطر عليها الفصائل الكُردية.
إنَّ قبول نظام الأسد بصفقة كهذه (ميناء طرطوس مقابل النفط الروسي + نسيان النفط السوري في مناطق "قسد") يعني قبوله الضمنيّ بالمشروع الأميركي – الإسرائيلي الذي يريد لمناطق "قوَّات سوريا الديموقراطية - قسد" أن تكون اللبنة الأساس في "إعادة إعمار" ليس سوريا الجديدة، بل خارطة سوريا الجديدة المقسَّمة إلى فيدراليات.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية