جرت العادة أن ينشر الساسة الذين أمضوا سنوات طويلة في متاهات الحكم أو المعارضة مذكراتهم لتصبح شاهدا على عصر شاركوا في صناعته وربما أثروا في مجرياته وتحولاته، بهدف الكشف للجمهور عن أسرار مرحلة لم يتسن له أن يطلع على حقائقها، وآخرون بهدف وضع تجربتهم بين يدي الناس بغية تقديم الفائدة للأجيال، وهذا "في الأغلب" يتم بعد نضوج التجربة وانتهاء المرحلة، لاسيما في منطقتنا، فعموم الساسة تنتهي حياتهم في السجون أو المقابر.
المشهد السوري في ضفته المعارضة، لم يصدر عنه حتى الآن ما يمكن أن نطلق عليه "مذكرات"، وإن كان ما قدمه الأكاديمي "برهان غليون" في كتابه "عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل" يحمل جزءا من النمط التقليدي للمذكرات على اعتبار أنه تناول تجربة سياسية كان على رأسها، لكنها تجربة تأخذ الطابع النقدي الأكاديمي.
إلا أن انماطا من المقالات بدأنا نراها هنا وهناك هي الأخرى تتناول ما يشبه "المذكرات" الصحفية التي تتناول مرحلة ما، لكنها بقيت في سياق المناكفات والردود المتبادلة والاتهامات كتلك التي كتبها فايز سارة ردا على تسجيل صوتي لكمال اللبواني، او ما كتبه جورج صبرا ورد عليه أيضا فايز سارة، وهنا لست بوارد تبني رأي هذا أو ذاك، لكن ما يثير الشفقة أن التشظي الذي ضرب المجتمع السوري بدءا من الأسرة، بل الفرد الواحد، وصولا إلى الطوائف والإثنيات ولا أبالغ إن أضفت إليه الجغرافية، طال رفاق الدرب (من ذكرت أسماءهم على سبيل المثال لا الحصر)، ولا أعلم إن كان لديهم المزيد من ترف الوقت للدخول في سجالات وصلت حد التخوين، بينما ليس لديهم فائض الوقت والهموم لمحاولة اجتراح حلول للمحنة السورية المستمرة.
فإن لم تكن مهمة السياسي السعي لخلق الحلول والمبادرات لتجاوز أزمة كتلك التي يعيشها السوريون، فما هي مهمته؟ فالقفز من على حبل السياسي، إلى حبل المثقف، هو هروب مذل في حقيقته، ليس أفضل منه سوى إعلان الاعتزال النهائي، بل وعدم الظهور الإعلامي بكل أشكاله حتى المكتوب منه.
بالأمس قدم معاذ الخطيب مبادرة، اعترض كثر على بعض تفاصيلها، وآخرون على توقيتها، بينما تجاهلها "على ما اعتقد" ساسة وتيارات وجماعات، وكما هي العادة تعرضت لكم هائل من التخوين في العالم الافتراضي الذي بات بمثابة "ذباب الكتروني" لا يقف خلفه على الأغلب سوى "قوالب ذهنية مسبقة التخلف" وفي أحسن حالاتها هي شكل من أشكال ترف الفعل الفيسبوكي من دول اللجوء.
بالامس، برزت إلى الوجود "المبادرة الوطنية السورية"، وهي الاخرى خُونت قبل أن تناقش، انطلاقا من مواقف مسبقة على شخوصها ومنهم هيثم مناع.
لست هنا بوارد الترويج لا للخطيب ولا لمناع، لكني أسعد لأي فكرة او طرح يسعى لإعادة إحياء القضية السورية التي باتت كقطعة قماش بالية تعلق بأحذية الدول..!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية