أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رؤية الهضبة من رصيف المرفأ... ماهر شرف الدين*

صورة للمرفأ - غوغل

الذين تظاهروا بالأمس معلنين غضبهم على ترامب لأنه "أعطى" الجولان لإسرائيل، لم نلمحْ وجوههم، اليومَ، بعدما أعطى بشار الأسد ميناءَ طرطوس لروسيا.

المفارقة، هاهنا، لا تختزل فقط حالة النفاق الذي هم عليه هؤلاء، بل تختزل أيضاً فهمهم لمصطلح مركزي، كالسيادة، باعتباره مجرَّد موضوع سياسيّ، يمكن لصاحبه تقليبَ رأيه فيه، فيرفضه ويشجبه، أو يأخذ به ويدافع عنه.

هذا الفهم "الانتهازي" لمسألة أساسية كالسيادة، انسحب على كلّ المفردات التي تدور في فلكها.

فوجود الجيوش الأجنبية في سوريا ليس احتلالاً بل تحالف. وانتهاك البروتوكولات المعمول بها أثناء لقاء رئيس البلاد ليس إهانةً بل صداقة زائدة. واستجلاب الغزاة، براً وجوَّاً وبحراً، ليس عمالةً بل استدعاء شرعي. و"تأجير" مرافق الدولة لدول أجنبية، بعقودٍ تصل إلى نصف قرن، ليس بيعاً بل استثمار، وقتل مليون سوري ليس حرب إبادة بل "مكافحة إرهاب".

وربما لا نغالي إذا قلنا إنَّ أمثال هؤلاء كانوا أكبر المساهمين في تدمير سوريا، حتى ولو لم يشترك بعضهم في الأعمال القتالية. لأنهم، ببساطة، ساهموا في التشويش على الحقيقة. وهذا التشويش كان واحداً من أكبر صنَّاع المأساة السورية، لأنَّه نجح، في نهاية الأمر، في تقديم الثورة السورية إلى العالم في هيئة الحرب الأهلية.

كانت الحرب السورية، في جزء مهمّ منها، حربَ مصطلحاتٍ ومفاهيم. وكان الكسبُ في المعركة يُقاس بتقدُّم مصطلحٍ على آخر.
فقد كانت الثورة متقدّمةً حين كان مصطلح "شبّيحة" متقدّماً. وعاد نظام الأسد ليتقدَّم مع تقدُّم مصطلح "إرهاب". كانت حرب المصطلحات "بارومتر"(*) الحرب في سوريا.

لذلك يستطيع ابن مدينة طرطوس، الذي تبنَّى بطريقة انتقائية مبتذلة المقولة الشهيرة "الخيانة ليست وجهة نظر"، أن يرى ما حدث في الجولان على بعد مئات الكيلومترات منه، دون أن يستطيع رؤية ما جرى في المرفأ على بعد أمتار من بيته.

(*) جهاز لقياس الضغط الجوي.

*معارض وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(237)    هل أعجبتك المقالة (259)

السوري

2019-04-27

مقال تاريخي اكثر مر رائع بل هو عالمي ايضا يمكن طبيقه على نفاق الغرب ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي