لم يكن مأمون رحمة خطيب الجامع الأموي آخر مشايخ السلطان في دمشق، وإن فاق الجميع نفاقاً ومدحاً في كل صوب، ولم يدع من على أكبر منابر دمشق حذاء دون تقبيل وتبجيل، وحتى المحتلين نالوا نصيبهم من الأدعية والتكريم.
في ذات الوقت لم يترك رحمة شتيمة إلا وأطلقها على أولئك المحتجين المظلومين، ونعتهم تارة بالمرتزقة وأخرى بالمجرمين، وهو الذي خرج من ريف العاصمة الملاصق للعاصمة الذي شهد أكبر الاحتجاجات الأولى وآخر المعارك الضارية.
وأخيراً ترجل الشيخ الشتّام الأهوج من على منبر الأموي بعد أن بلغ مبلغاً كبيراً من النفاق للسطان، وصار لزاماً على من شغّله أن يأمر بإسكاته فقد بات مثاراً للسخرية والشتم حتى ممن كانوا يعتقدون بضرورته.
الشيخ سخر من عذابات السوريين على اختلاف انتماءاتهم، ووجد في طوابير الذل في الأيام الأخيرة على محطات الوقود مجرد سيران ترفيهي، وهم الذين اعتادوا على مواقفه الغريبة في تمجيد الاحتلال الروسي ووصف بوتين بالقائد العملاق، ولكنهم رأوا في خطبته الأخيرة نفاقاً فوق النفاق.
تاريخ مشايخ السلطان كان عناقاً مع السلطة بكل أشكالها، وبرع المشايخ في تمجيد الحاكم وتحريم الخروج عليه، وإتهام من يحاولون ذلك بزرع الفتن والقلاقل، وهكذا كان دور خطباء المساجد الذي صنعوا لازمة الدعاء للقائد الخالد بالنصر والسؤدد.
تناوب على ذلك مروان وعدنان شيخو، وحملوا عباءة المديح للأسد الأب في كل احتفالية دينية على قلتها سواء في العيدين أو المولد النبوي، وهكذا صار آل شيخو معتمدين لدى السلطة يتقدمون حتى على المشايخ والخطباء في المديح والدعاء.
الشيخ البوطي كان له شأن آخر في كونه أعلى كعباً، وأقل مديحاً وانبطاحاً، ولكنه كان من دعاة نصح الحاكم ومن ثم الطاعة له كونها واجبة، ولأن الخروج عليه مدعاة فتنة وضلال قد يصل بالأمة إلى الهلاك.
أما مشايخ الوعظ والدروس فقد واظبوا على مواعيدهم دون كلل وملل تحت عين السلطة ورعايتها، وكانوا يتقدمون وجوه المهنئين والمهللين في المناسبات الدينية، ويرون أن دورهم هو خارج انتقاد الظلم والإذلال، وأن ما عليهم هو جمع المريدين ومقبليّ الأيادي والعباءات المقدسة.
فيما بين هؤلاء كانت الشريحة الأكبر من مشايخ الطعام والشراب، وهؤلاء لا تتعدى أدوارهم تلقين الموتى وعقد القران، وشيوخ (السلتة) كانوا مضرب المثل لدى عموم السوريين في دناءة النفس والدونية.
لكل هذا التاريخ المستكين كان غريباً أن يخرج من بين هؤلاء من يرفع عقيرته، وكانوا استثناء القاعدة الكبيرة من ذقون السلطان، وهذا ما عملت عليه السلطة طوال عقود من إرضاء هؤلاء وافسادهم بالمال والمنصب، وكانت وزارة الأوقاف إحدى أكبر مؤسسات الفساد التي تعاقب عليها شيوخ بعينهم وتوارثوها.
مأمون رحمة في (شطحته) الأخيرة لم يخرج عن دوره ودور من سبقوه من مشايخ السلطان لكنه كان أشد ابتذالاً منهم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية