مبدأ عدم الإعادة القسرية لللّاجئين.. سليمان النحيلي*

أرشيف

لم يغادروا بلادهم لكسب العيش ولا طمعا في تحسين مستواهم المادي ولا للسياحة أو الاستجمام، إنما هربوا خوفاً من الحروب وويلاتها والاعتقال والموت تاركينَ وراءهم بيوتهم وذكرياتهم وأعمالهم وأرزاقهم طالبين النجاة والأمان، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر..


ولعلّ قضية اللاجئين من القضايا القديمة الحديثة في آن معاً، ولقد شغلت بالفقهاء القانون الدولي واهتمام المنظمات الدولية، حتى أنه أُطلق على القرن المنصرم اسم "قرن اللجوء" إثر الستين مليون لاجئ الذين خلفتهم الحربان العالميتان الأولى والثانية.


وفي السنوات الأخيرة وخاصةً بعد انطلاق ثورات الربيع العربي والمآلات المأساوية لبعضها، زادت موجات اللاجئين بشكل كبير في العالمين العربي والإسلامي، حيث قدّرت إحصائيات متخصصة أعداد اللاجئين بما يزيد على 43 مليون شخص في أنحاء العالم.


وفي الحقيقة إنّ من أكثر الأمور ضرورةً وإلحاحاً بالنسبة لللاجئ -الذي غادر بلده تحت وطأة القصف والاضطهاد والخوف والموت- هو ألّا يُجبر على العودة إلى البلد الذي تركه من قبل "بلد الملجأ، كما يسمى في القانون الدولي، ولذلك تراه دائم القلق من هاجس إجباره على العودة القسرية إلى المكان الذي لم يصدق أنه مازال حياً حتى بعد أن غادره.


وبناءً على ماسبق فإنه من الضروري أن نعرف من هو الشخص الذي يندرج تحت صفة لاجئ ويستحق الحماية؟
وهل ينطبق هذا الوصف على من ارتكب جرائم حرب ضد الغير، وبالتالي هل يُعامل معاملة اللاجئ؟
وماذا يعني مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئ؟
وهل هناك استثناءات لهذا المبدأ؟


ومما ينبغي قوله في هذا السياق إنّ اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، تُعتبر الإطار القانوني الأساسي الذي حدّد مفهوم اللاجئ، وأرسى مبادئ الحماية الدولية له وواجبات الدولة المضيفة تجاهه.


فقد ورد في الاتفاقية تلك أنّ (اللاجئ: هو كل من وُجد خارج بلده بسبب خوفه من التعرض الاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه الى فئة اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية، ولايستطيع أن يعود إلى بلده أو لا يريد العودة بسبب ذلك الخوف).


وعليه فإن الاتفاقية سلخت صفة اللاجئ عن مجرمي الحرب لأنّ من قام بتعذيب السجناء حتى الموت وبالقتل والاغتصاب والسلب هو أولى بالمحاكمة والعقاب لا بمنحه صفة لاجئ لينعم بعد كل جرائمه بالحماية والثواب.


وقد رسّخت قواعد القانون الدولي مبدأ الحماية الممنوح لللاجئ، فألزمت (بلد الملجأ) بعدم إجباره بالقوة أو بالضغط على العودة إلى البلد الذي فرَّ منه، وأكثر من ذلك، فإن تقدير حالة الخوف من العودة قد تركته الاتفاقية الدولية المذكورة لتقدير اللاجئ، فلا يُجبر على العودة القسرية بحجة أنّ الأوضاع في بلده أصبحت آمنة ومستقرة، طالما أنه لا يريد العودة الطوعية، كما تفعل بعض الدول.


والجدير بالذكر أن مبدأ عدم الإعادة القسرية يوفر حمايةً مضاعفة لللاجئ، حيث يبقى متمتعاً بهذه الحماية حتى ولو دخل إلى بلد الملجأ بطريقةٍ غير مشروعة.


كما أنه وفي حال تمّ رفض طلب لجوئه، فإنه على السلطات إذا رأت إجباره على مغادرة أراضيها أن لا تعيده إلى بلده الذي فرَّ منه، وعليها أن تؤمن له بلد ملجأٍ آخر يُعرف في القانون الدولي باسم (البلد الآمن).


ومن موجبات الحماية المفروضة لللاجئ أيضاً أنه لايحق لدولة ما طرد لاجئ ٍ عن أراضيها إلا عندما يشكل وجوده خطراً على الأمن الوطني للدولة، أو إذا أُدينَ بحكم قضائي نهائي بجريمةٍ خطيرةٍ بعد خضوعه لمحاكمة عادلة، وتمكينه من ممارسة حق الدفاع عن نفسه، فإذا تمت كل هذه الإجراءات وحسمت الدولة قرارها بطرده فعليها أن تمنحه فترةً زمنية مناسبةً للبحث عن إمكانية الدخول إلى بلدٍ آخر آمنٍ يستقبلهُ.


وفي حال انتُهك مبدأ عدم الإعادة القسرية يحق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تعمل عبر التدخل مع السلطات المختصة في البلد الذي قرر الطرد من أجل الحيلولة دون ذلك.


ومما لا بدّ ذكره أخيراً وباعتبار أن مجرمي الحرب والمشتبه بضلوعهم بأعمال إرهابية لايحصلون على صفة لاجئ، وبالتالي فهم لايستفيدون من مبدأ الحماية المذكور وتقوم السلطات باحتجازهم وتقديمهم للمحاكمة، وهذا التصرف يدخل ضمن التدابير العالمية المتفق عليها لمكافحة الإرهاب، وهو من استثناءات المبدأ المذكور.


والخلاصة فإن مبدأ عدم الإعادة القسرية هو من المبادئ الأساسية التي رسّختها قواعد القانون الدولي ضماناً لحياة اللاجئين وحرياتهم، والذي تلتزم به كل الدول حتى ولو لم تكن طرفاً موقعاً على اتفاقية حماية اللاجئين لعام 1951 المذكورة أعلاه.

*من كتاب "زمان الوصل"
(212)    هل أعجبتك المقالة (226)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي