تعلم إيران أكثر من غيرها أنها لن تستطيع مواجهة الحرب الاقتصادية التي بدأتها الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال ولا الحرب العسكرية في حال انزلق الأمر وهو أمر مستبعد.
ولأن إيران باتت تتقن التفاوض كما أتقنت الاستثمار في صراعات المنطقة، فهي لن تذهب إلى النهاية في رفض تطبيق الشروط الأمريكية الاثني عشر لتوقيع اتفاق نووي جديد، والشروط، للتذكير، تركز على ثلاثة محاور، الأول يتعلق بالبرنامج النووي والصاروخي الباليستي، والثاني يرتبط بالميليشيات التي تديرها إيران، الحشد الشيعي في العراق، وحزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، وكذلك ميليشياتها العاملة في سوريا والتي عليها أن تنسحب بحسب نص البنود.
أما المحور الثالث فهو "وضع حد لدعم فيلق القدس في الحرس الثوري" ولعل الأخير هو الأخطر لأنه يمس النواة الصلبة في النظام.
بالأمس زادت واشنطن الضغط الاقتصادي على إيران بإعلانها انتهاء الاستثناء من عقوبات استيراد النفط، الأمر الذي سيصل بمؤشر تصدير النفط إلى "الصفر"، إيران ردت على التصعيد الأمريكي بتصعيد "إعلامي" وهددت بإغلاق مضيق هرمز، الشريان البترولي الأهم في العالم، وهو تهديد أكبر من أن يُنفذ.
إيران التي تتعاطى إعلاما و"اعتقادا" بطريقة تكاد تكون على النقيض تماما من ممارساتها الحقيقية، لا يستبعد أن تعلن بين ليلة وضحاها عن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بعد أن تتخلى عن "فائض المكتسبات" التي حققتها بالمنطقة، وقد لا يكون تخليا بالمعنى الكامل، فالهدف الذي أرادته إيران في المنطقة، هو الخراب والعبث في بنيتها المجتمعية والديموغرافية قد تحقق بنسبة ربما تتجاوز الـ 60 بالمئة، طبعا العراق بلغ الخراب فيه نسبة تتجاوز الـ 90 بالمئة، وبالتالي لا ضير بأن تكتفي بهذا في سبيل الحفاظ على بنية النظام وبقائه داخل الحدود، وهذا الأمر يُعتقد أن مؤشراته بدأت بالظهور، فمن السذاجة بمكان التصديق بأن الفصائل الأقوى في ميليشيات الحشد الشيعي العراقي ومنها "النجباء" - تطالب واشنطن بنزع سلاحها - وتشكيلات من حزب الله اللبناني وميليشيات "حيدريون" الباكستانية دخلت بسلاحها إلى الأراضي الإيرانية لمساعدة المنكوبين بكارثة السيول، فما هو أقرب للتصديق أن يكون ذلك تكرارا لتجربة حزب الدعوة العراقي وتشكيل فيلق "بدر" الذي قاتل إلى جانب طهران في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، أما المؤشر الآخر في هذا المحور فهو الضائقة المالية التي بدأت تضرب حزب الله في لبنان وهو ما لم يخفه أمينه العام حسن نصر الله الذي دعا أتباعه للتبرع "للجمهورية الاسلامية"، إذ لا يعقل أن يجف الرصيد الايراني المخصص لميليشيا نصر الله بهذه السرعة، ولعل إيران نفسها بدأت فعلا بالانكفاء عن حزب الله.
داخليا، أوعز المرشد الايراني علي خامنئي مؤخرا بإعادة هيكلة "مجلس تشخيص مصلحة النظام" وهو أحد التشكيلات صاحبة السطوة في الداخل، كما أجرى تعديلات عسكرية طالت رئاسة الحرس الثوري، عزل محمد علي جعفري عن رئاسته وعين في منصبه حسين سلامي، فضلا عما تداولته وسائل الإعلام من طلب المرشد من قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالعودة إلى إيران.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية