أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الاعتذار من ساسوكي... ماهر شرف الدين*

بيان الاعتذار يصدر عن إعلام بلدٍ بات فيه قطاع الدعارة أكبر قطاعات الاقتصاد

قدَّم تلفزيون النظام (الـمُسمَّى "قناة السورية") اعتذاراً شديد اللهجة للسوريين بسبب مرور لقطةٍ في مسلسل الكرتون الشهير "ساسوكي"، ظهرَ فيها صدرٌ عارٍ لإحدى الفتيات الكرتونيات.

لم يعتذر تلفزيون النظام عن مشاهد تجريف جثث سوريين بالجرَّافات التي سبق أن بثَّها متفاخراً، ولا عن لقاء إحدى مراسلاته لمواطنين جرحى وهم يُحتضرون في الشوارع والتحقيق معهم، ولا عن كلّ مشاهد التهجير والقهر والعار التي بثّها طوال السنوات الفائتة... لكنه اعتذر اليوم عن مشهد بريء مرَّ في مسلسل كرتوني!

والحقّ أنَّ هذا التصرُّف ليس عابراً في سلوك النظام، إنما هو نهجٌ سارَ عليه منذ أن تسنَّم السلطة في سوريا. فحافظ الأسد لم يعتذر، مثلاً، عن تدمير مدينة حماة ومجزرة الأربعين ألف مدني، لكنه اعتذر عن قيام مظلّيات شقيقه رفعت الأسد بمضايقة المحجّبات.
إنَّ هذا المنطق، المخادع والسهل، هو الذي يسمح لنا ببناء تفسير منطقيّ لظاهرة ازدهار بناء الجوامع والمعاهد الشرعية في بلدٍ تحكمه زمرة من الكارهين للإسلام!

***

بيان الاعتذار الرسمي، الذي وصفَ تلك اللقطة الكرتونية بـ"المشهد المسيء" و"الخطأ الفادح"، وأرعدَ وأزبدَ متوعّداً ثلاثةً من العاملين في قسم "رقابة البرامج"، يصدر عن إعلام بلدٍ اعترفت فيه "نقابة الفنانين" بإصدار بطاقات خاصة للعاملات في مجال السياحة الجنسية.
يصدر عن إعلام بلدٍ بات قطاع الدعارة فيه أكبر قطاعات "الاقتصاد".

بل يصدر عن إعلامٍ هو نفسه قد أنتج الكثير من المسلسلات التلفزيونية المبتذلة، والمحشوَّة حشواً بمشاهد الجنس، بما يمنع أيّ عائلة سورية –ومهما كانت درجة انفتاحها- من الاجتماع سويةً لمتابعة تلك المسلسلات.

***

لقد حزَّ في نفسي، أنا الذي ينتمي إلى جيلٍ لوَّنَ ساسوكي طفولتَه بألوان قوس القزح الذي كان يتزحلق عليه، أن أقرأ بياناً من عصابة إجرامية تتهمه هو وصديقته الجميلة بالإساءة والإباحية. عصابة أكثر شرَّاً بكثير من العصابات التي كان ساسوكي يحاربها وينتصر عليها.
لقد حزَّ في نفسي أن أرى ساسوكي محاطاً بحلقةٍ من الأوغاد دون أن يستطيع أن يقول تعويذته الشهيرة "فن النينجا أُنْ بَدَرُنْ"، قبل أن يبدأ بتمزيقهم بسيفه البتَّار.

*معارض وكاتب سوري - من كتاب "زمان الوصل"
(274)    هل أعجبتك المقالة (402)

1

2019-04-23

مقال رائع . سلمت يداك أخ ماهر.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي