أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسالة إلى معاذ الخطيب.... د. وائل مرزا*

مرزا وفي الكادر الخطيب - زمان الوصل

بخصوص (الحوار الهادئ..) الأخير للشيخ #معاذ_الخطيب : أعرف الشيخ معاذ منذ أكثر من عشرين عاماً ويعرفني. وقد عملتُ معه، وأخطأنا سوياً، خلال مرحلة الائتلاف، بتفاصيل لايمكن الدخول فيها الآن، لأنها ستكون مختزلةً ولن يتسع لها المقام.

من هنا، ولكون كلمته الأخيرة نداءاً مُعلناً عاماً (باسم السوريين)، بغض النظر عن عدم موافقتي على مضمونه، فإنني آمل ألا يكون هناك عيبٌ أو محظور في نشر الرسالة التي صغتُها وأرسلتُها إليه، بمصطلحات يستعملها في كلامه، في شهر أيار من عام 2017، مقترحاً عليه إصدارها كنداء للسوريين.. ولكن.. والسؤال الآن: هل يمكن مقبولاً له، وهو أخٌ مخلص، أن يقبلها كنداءٍ إلى السوريين مقابل حواره الهادئ المذكور.. (ملاحظة: المؤتمر الوطني الذي اقترحتهُ في الرسالة لاعلاقة له بالنظام وإنما بكل من ينسجم مع المبادئ الأصيلة للثورة كما أرجو أن يكون واضحاً في ثنايا الكلام). وفيما يلي الرسالة (على طولها) للتاريخ:

رسالة إلى السوريين

الإخوة والأخوات من أبناء شعب سوريا، المكرمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه رسالة بوحٍ ومصراحة ونداء للنفس ولكل من يهمه حاضر سوريا ومستقبلها، وتعزُّ عليه تضحيات أهلها الأبطال، ويشعر بواجب الاستفادة من تجارب المراحل السابقة في العمل للثورة، بسلبياتها وإيجابياتها. نداء لكل من لايزال يؤمن بإمكانية تحقيق أهدافها الأصيلة من خلال العمل المنهجي المحترف، بما يتطلبه من تنسيق وتعاون، من جهة، وعبر تجاوزنا جميعاً لخلافاتنا السابقة في الاجتهاد السياسي والثقافي والتنظيمي.

هذه، بالمعاني المذكورة أعلاه، رسالة لكل سوريةٍ وسوري يؤمنان بأن الوقت حان لنقلةٍ في التفكير والعمل لسوريا وثورتها وأهلها جميعاً. ولئن كانت اللحظة الراهنة تشكل قمةً في التحدي للقضية السورية من حيث الظروف المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بها، والتي نعرفها جميعاً، فإن هذا التحدي، نفسهُ، يفرض علينا استفراغ الوسع في العمل لهذه النقلة، تجنباً لحالٍ أسوأ، لاسمح الله، يبدو ممكناً أن تحصل دائماً، بعد أن اعتقدنا أكثر من مرة في الماضي أننا وصلنا لحالٍ لن يكون ثمة أسوأ منه.

من هنا، أبدأ بنفسي لأؤكد أنني اجتهدتُ خلال الأعوام السابقة، بعد دخولي ساحة السياسة بالشكل المعروف، في اتخاذ مواقف وقرارات، وفي إطلاق مبادرات وتصريحات، صَدَرت، يعلم الله، عن حرقةٍ على سوريا وأهلنا فيها. لكنني، مع الخبرة والمعرفة التي تراكمت خلال الفترة الماضية، أرى اليوم لم أنها لم تمثل بالضرورة عين الصواب بالحسابات السياسية الدقيقة، وأعترفُ بهذا. 

وإذ تُلحُّ عليَّ بشريّتي التفكير بأن تلك القرارات والمبادرات جاءت من إرادة خير خالصة أولاً، وأنني حاولت بما لدي من عدةٍ وقتها أن تكون اجتهاداً من المعروف أن هناك أجراً لمن يقوم به، وإن أخطأ. لكن ماتحصَّلَ اليوم لدي من المعرفة والخبرة يفرض علي أن أحاور بشريّتي تلك، مذكراً إياها أن الإخلاص وحده لايكفي، وإنما يجب أن يقترن بالصواب. وأن أذكّرها أيضاً أن الاجتهاد يجب أن تسبقه الأهلية له بأعلى الدرجات، من خلال الدراسة والاستشارة والتفكير والعلم والتحليل. وهذا مايجعلني أسأل المولى أولاً غفرانه على أي خطأ نتج عن تلك الاجتهادات. ثم يدفعني للاعتذار لأهلي من السوريين عنها وعن أي نتائج تعلقت بها.

عند هذه النقطة، وانسجاماً مع الطبيعة الصريحة والشفافة لهذا البوح والنداء، يأتي سؤال سيخطر في بال البعض ويطرحه آخرون، بجدية أو بنوعٍ من السخرية التي أسامحهم بخصوصها من الآن: هل يكفي مثل هذا الاعتذار لتبرير أي واقعٍ سلبي ترتّبَ على اجتهاداتي؟ أم أن الأمر يقتضي الاعتزال الكامل والغياب عن الساحة؟

وللإجابة أقول: لن يكفي ذلك بطبيعة الحال، ومن هنا كان طلب المغفرة من الله في عالم الغيب. لكنني، بنفس الصراحة والشفافية أقول فيما يتعلق بعالم الحضور والشهادة والواقع الذي نعيش فيه كسوريين: هل يوجد طرفٌ أو جهةٌ أو شخصٌ ممن كان له دورٌ سياسي، أو عسكري، في الثورة السورية يمكن القول إن قراراته ومواقفه وممارساته كانت خاليةً من الأخطاء، ومن السلبيات التي نتجت عنها في واقع السوريين وثورتهم، وبأشكال ودرجات مختلفة. وهل يمكن، منطقياً وواقعياً، أن يكون الحل في اعتزال هؤلاء جميعاً للساحة السياسية تحديداً؟
أُشهدُ الله أيها السوريين أنني لاأمارس التبرير. وإنما أتحدث وأبوح بكل واقعية في الموضوع، وأفعل هذا بعد تفكير عميق، ومع شعورٍ بالمسؤولية، ليس فقط عما مضى، وإنما أيضاً تجاه الواقع المأساوي الراهن، وتجاه المستقبل.

لقد شاع القول بأن نظام البعث قتل السياسة والفكر السياسي في المجتمع السوري على مدى عقود. وقد كنا جميعاً، دون استثناء، وبكل خلفياتنا الفكرية والمذهبية والأيديولوجية والمناطقية، ضحيةً لتلك العملية. 

وإذا كان البعضُ منَّا "يُتهمُ" بأنه لم يعمل في السياسة قبل الثورة، ليُصبح هذا سيف إرهابٍ معنوي يُسلّطُ عليه، فثمة ملاحظتان على هذه المقولة: أولاً. إن كثيراً، إن لم يكن الغالبية العظمى، من الذين انخرطوا في ساحة العمل السياسي للثورة لم يعملوا في السياسة من قبل، وبالتالي يكون من المُعيب اعتبارُ هذه الصفة "تهمةً" بحق البعض دون البعض الآخر. ثانياً: وبعيداً عن أي اتهامٍ أو لومٍ نسأل، كما يسأل كثيرٌ من السوريين: ماذا استطاع أن يُقدم أولئك الذين "مارسوا" السياسة وعملوا في ساحتها قبل الثورة؟ الجواب واضحٌ لجميع السوريين فيما نحسب.

وبالتالي، فقد كنا، نحن الذين تصدينا للعمل السياسي لمحاولة خدمة الثورة، جميعاً ودون استثناء، المثال الأبرز والأوضح، للأسف، لعملية قتل الفكر السياسي المُمنهجة التي مارستها عصابة الأسد قرابة نصف قرن. وبالتالي، باتت مشاريعنا وهياكلنا وقراراتنا السياسية، جميعاً أيضاً ودون استثناء، تُمثلُ تجلياً مؤلماً لنتيجةٍ طبيعية: الفشل في مجمل أدائنا السياسي المتعلق بالثورة إلى درجة كبيرة، والإخفاق في مهمتنا، وعدم قدرتنا على القيام بما كان يُفترض أن يكون دورنا المطلوب.

هذا واقعنا أيها الإخوة والأخوات السوريين. ولكن، لماذا لانقول بدلاً من ذلك: هذا "كان" واقَعنا الصريح الذي يجب ويُمكن، بعد أن نعترف به جميعاً، أن نتعاون سوياً لتغييره. وهذا يدفعني لتأكيد قناعتي بأن الاعتزال اليوم، لي ولغيري من العاملين، ليس هو الخيار الصحيح.
من هنا، وبناءً على ماسبق، فإنني أشكر المولى على أي قرار صحيح اتخذته وأثّرَ إيجاباً، ولو بشكلٍ جزئي، وأعتذر لكل الجهات والأشخاص الذين اختلفتُ معهم. 

ومن هنا أيضاً، أدعو السوريين بشكلٍ عام، والعاملين في حقل السياسة تحديداً، والحقول ذات العلاقة، من المخلصين للثورة، والمُصرِّين على استمرار العمل لتحقيق أهدافها الأصيلة، إلى أن نلتقي في مؤتمر وطني شامل. وهو مؤتمرٌ نبحث فيه بشكلٍ منهجي وعلمي، وبالاعتماد على مداخل احترام التخصص والعمل المؤسسي، خطة عمل للمرحلة/المراحل القادمة من النضال المشترك لإصلاح مسار الثورة. 

وهذه خطوةٌ هامة يمكن أن تتحقق بالتأكيد، أولاً وقبل كل شيء، بتصفية القلوب والتسامح فيما يتعلق بعلاقاتنا في الماضي، ثم بإرادة العمل لسوريا المستقبل بعيداً عن كل الأجندات الشخصية والحزبية والأيديولوجية ثانياً، وبتكامل الخبرات وزوايا الرؤية والتجارب والاختصاصات والمواقع ثالثاً، وبالتخطيط السليم، أخيراً، لمثل هذا اللقاء ولما سينتج عنه من خيرٍ بإذن الله. مع رجاءٍ خاص بألا يتم التعامل مع مصطلحات التسامح وتصفية القلوب وفَهمها بطريقةٍ تقليدية، لأن هذا سيظلمها كثيراً ويظلم المشروع بأسره. وليكن همُّنا سوياً التعامل والتنسيق من خلال المعاني الحضارية الكامنة في تلك الكلمات، أياً كانت الألفاظ والتعابير التي تختارونها.

وإذ أؤكد على دوري في فتح الملف وطرح الفكرة فإنني أؤكد أيضاً، بصراحةٍ وعَلَن، أنني لست ولن أكون "صاحب المشروع" أو الوصي عليه أو قائده بأي درجةٍ من الدرجات. وإنما حسبي أن أكون واحداً من شريحةٍ عاملة ومخلصةٍ وواعية من السوريين تريد أن تستعيد زمام المبادرة في هذه المرحلة التي توزعتنا فيها الأجندات والمصالح غير السورية.

ثمة تفصيلٌ وعملٌ كثير يجب أن يتلو هذا البوح والنداء بالتأكيد، إذ ينبغي أن يكون اللقاء مسبوقاً بحوارات ودراسات وأوراق عمل جدية نعمل عليها جميعاً، وخاصةً منا المختصون في حقول السياسة المختلفة. وقد تكون الخطوة الأولى في هذا المجال محاولة الاتفاق على أسماء لجنة تحضيرية مستقلة من الخبراء والمختصين السوريين المعروفين لوضع خارطةٍ للرؤية المطلوبة من مختلف الجوانب. مع استعدادي للحوار مع أي جهةٍ راغبةٍ في العمل الجدي بهذا الخصوص.

أما النقطة الحساسة التي أود التأكيد عليها فتتمثل في أن هذه الدعوة لاتُمثل، بأي حال، دعوةً للتنافس مع الهيئات السياسية السورية الممثلة للثورة، وخاصة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية و/أو الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية. وعلى العكس تماماً، فإن الأمل هو أن يكون هذا المشروع عوناً لهذه الهيئات على أداء أدوارها بشكلٍ أفضل، وعلى خلق إجماعٍ سوريٍ واسع على رؤيةٍ سياسية للمرحلة القادمة تحقق أهداف السوريين وتُخرجهم من حالة الجمود والاستعصاء والمراوحة والاستنزاف التي يبدو أنها تُراد بهم من بعض القوى الخارجية. 

وأخيراً، فإنني أدعو هنا رجال الأعمال السوريين الشرفاء لدعم مثل هذه المبادرة تأكيداً للاستقلالية والسيادة السورية. هذا مع شكرنا سابقاً ولاحقاً لكل من دَعمَ السوريين وثورتهم بإخلاص، وتأكيدنا على أن هذه الخطوة لاتعني نُكراناً لجميلهم ولاقطيعةً معهم، فهذا ليس من أخلاق السوريين، وهو ليس وارداً أصلاً لا من باب المروءة، ولا من باب المنطق والواقعية السياسية والمصالح العامة المشتركة على الدوام.

وفق الله الجميع لما فيه خير سوريا وأهلها حاضراً ومستقبل..
وأعاننا جميعاً على أن نكون ممن يحقق ذلك الخير..
وهدانا لأفضل الوسائل التي تمكننا من ذلك....

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


*كاتب ومعارض سوري
(159)    هل أعجبتك المقالة (166)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي