بعد أن بات واضحا لدينا -من خلال الحلقات الثلاث السابقة- ماهية الغطاء القانوني لجرائم النظام السوري على الصعيد المحلي، نفرد هذه الحلقة الأخيرة لتناول القسم الثاني وهو الغطاء القانوني لجرائم النظام على الصعيد الدولي.
القانون الدولي: جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
وبحسب محللين سياسيين وقانونيين، فإنه لولا هذا الغطاء الدولي المضروب على النظام لكان سقط منذ الشهور الأولى للثورة.
فما هي تلك العوامل التي شكّلت ذاك الغطاء الدولي للنظام، وحالت دون مساءلته عن جر ائمه.
لعلّ ظاهر هذا العنوان يَشي بما هو سياسي أكثر مما هو قانوني، ولكن إذا علمنا أن قواعد القانون الدولي في جوهرها هي ما تريده الدول الكبرى وخاصة في السنوات الأخيرة، فقد تصبح الصورة أوضح، مع العلم أن هذه الظروف تشكل المحرك الأساسي باتجاه صناعة الغطاء القانوني للنظام وجرائمه، ويمكننا بالتالي إجمال تلك الظروف بما يلي:
1-العداء الوظيفي للكيان الصهيوني:
لعب نظام الأسد دور العداء الوظيفي المصطنع مع الكيان الصهيوني منذ مؤامرة تسليم الجولان أيام حافظ الأسد، فناصب َالكيانَ الصهيوني العداء، فيما تحوّل حقيقة إلى حامٍ لحدود الكيان الغاصب في لعبةٍ لتبادل المصالح ضماناً لاستمرار آل الأسد في الحكم، الأمر الذي جعل إسرائيل والغرب يتمسكون ببقاء نظام الاستبداد الأسدي.
فقد رفع النظام منذ مقتبل الثورة راية القتال ضد التنظيمات الإرهابية، وخاصة بعد تعاظم شأن داعش في سورية والعراق مستغلاً الحملة الدولية لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى تعامي المجتمع الدولي عن جرائم النظام وساهم في الإبقاء على النظام ومنعه من السقوط.
إنّ كل تلك الحيثيات دفعت باتجاه توفير الغطاء القانوني الدولي للنظام عبر استخدام الدول الكبرى الحليفة له حقّ النقض (الفيتو) لصالحه في كل مرة يُوجّه إصبع الإتهام إليه.
لسنا هنا في معرض تعداد وتبيان الفيتو الذي استخدمه الروس وبالتبعبة الصين - في مجلس الأمن لمصلحة النظام السوري خلال السنوات الثمان الماضية.
ولكن تكفي الإشارة إلى أن الروس استخدموه 12 مرة، تجلّت بدءاً من تعطيل مشاريع قرارات تفرض عقوبات على النظام لاستخدام العنف في قمع المظاهرات حتى منع إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب ارتكبها النظام وصولاً إلى تعطيل مشروع قرار يفرض على النظام التعاون مع لجنة تحقيق دولية حول الهجوم الكيماوي على خان شيخون ودوما.
ولذلك فإن تكرار استخدام الروس للفيتو شكّل غطاءً قانونياً شاملاً لنظام الأسد أدى إلى إفلاته من المساءلة والعقاب عن جرائمه بحق الشعب السوري، في ظل إرادة دولية غير جادة بتجريم النظام ومعاقبته.
لأنّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشترط كي ينعقد لها الاختصاص بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية - أن تكون الدولة التي ينتمي المتهمون سبق وانضمت إلى معاهدة المحكمة المذكورة وصادقت عليها حسب الأصول، ولأن النظام السوري منذ تأسيسه قام على العنف والمجازر فكان من الطبيعي أن لا يصادق على معاهدة تمكّن من إدانته ومعاقبته. الأمر الذي يعني فقدان شروط محاكمة النظام وتوفير الغطاء القانوني له على مدار خمسين عاماً من المجازر بحق السوريين.
هكذا يكون النظام السوري قد استجمع كل العوامل القانونية المحلية والدولية التي وفرت له وللمسؤولين لديه الغطاء القانوني لضمان عدم وصول يد العدالة إليهم.
*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية