أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"حنشرية" المعارضة.. فؤاد عبد العزيز*

أرشيف

تستخدم كلمة "حنشري" في مدينة حلب تحديدا، في وصف الشخص الأزعر والهامل والفاجر، الذي لا يتوانى عن خلق المشاكل مع محيطه، ولا يتورع عن ممارسة كل الموبقات، من أجل أن يهابه كل من يواجهه…وهذه الشخصية موجودة في كل مكان تقريبا، ولكن بتسميات مختلفة، وبحسب ثقافة المنطقة الشعبية.


والثورة السورية، بلا شك، ابتليت بالكثير من هؤلاء "الحنشرية"، وبعضهم وصل إلى مواقع متقدمة في المعارضة، والبعض الآخر أصبح يحمل ألقابا من قبيل مفكر ومحلل وقيادي ودكتور ، لكن في حقيقة الأمر ، فإن التاريخ النضالي لهؤلاء في "الهمالة" سرعان ما طفى على شخصياتهم، مع أول تراجع لمكانتهم ودورهم، وأصبحوا على استعداد لفتح معارك مع الآخرين بالأيدي والألسن، ظنا منهم أن ذلك يعيد إليهم مكانتهم.


والثورة السورية ابتليت كذلك بالكثير من الحرامية والفاسدين المحترفين والمتسلقين والعملاء الرخيصين المأجورين، وهو أمر أيضا لا ينكره أحد، وبعضهم وصل إلى مواقع قيادية في المعارضة، ولا يزال جالسا فيها حتى يومنا هذا.


المحزن في كل ذلك، هو تداول قصص هؤلاء اليوم، واستخدامها على أنها هي من ساهمت بتدمير الثورة والمعارضة، وبيعها في السوق الدولية بثمن بخس.


مع أن أبسط المطلعين على مجريات وواقع الثورة السورية، يعرف أن ما شتتها ودمرها، ليس سرقات فلان وعلتان من أموال الإغاثة، وليس عمالة البعض واسترزاقهم على حساب الثورة.


لقد قامت الثورة وانتشرت في كل الأراضي السورية، قبل أن يظهر هؤلاء ويتصدروا المشهد السياسي، واستطاعت أن تطرد قوات النظام من معظم المناطق ببضعة بواريد، ولم تكن يومها تنتظر أموالا من أحد .. ما دمر الثورة، والمسلحة منها على وجه الخصوص، هو عنف النظام بالدرجة الأولى، واستخدامه لكافة الأسحلة المحرمة في مواجهتها، من الكيماوي إلى الحصار الاقتصادي والتجويع…ما دمر الثورة ثانيا، ليس سرقة هؤلاء لأموال المساعدات الدولية، وإنما ظهور هذه الأموال من الأساس، والتي تسببت في إفساد نفوس الثوار ، وجعل تفكيرهم يتركز على أن هناك من يثرى على حسابهم وباسمهم، بينما هم مطلوب منهم الموت فقط.


إذا، ما السر اليوم أنه بدأ يتكاثر الحديث عن فضائح المعارضة المالية، مع أن هذه الفضائح كانت متداولة منذ بداية الثورة، دون أن تؤثر على مسارها وانتصاراتها ...؟


برأيي، أن المطلوب اليوم هو تدمير آخر حلقة في حلقات الثورة، وهي رموز المعارضة، عبر تخوينها والتقليل من قيمتها، من أجل أن لا يقوم الشعب السوري بأي ثورة بعد اليوم.


ومن جهة ثانية، يذكر الكثير من أصدقائي الصحفيين، الذين كانوا يشكون لي منذ العام الماضي، تراجع اهتمام وسائل الإعلام والناس بمقالاتهم وأخبارهم التي تنتقد النظام .. فكنت أقول لهم إن المزاج العام في هذه الفترة، أصبح أكثر تقبلا لفكرة نقد المعارضة من نقد النظام، لسبب بسيط أن الواقع يقول بأن الثورة السورية هزمت والنظام انتصر..


لذلك تزدهر اليوم تجارة نقد المعارضة وتلقى رواجا واسعا بين الفئات الشعبية، التي تريد أن تنتقم وتثأر لتشردها ولما حل بها من دمار ، بينما لم تعد هذه الفئات تتفاعل مع نقد النظام وفضح ممارساته، بما فيها تلك المواد التي تحمل صبغة إنسانية، فهي الأخرى لم تعد الناس تتعاطف معها.


لا بد أن نقول في النهاية، إن الانهيار الذي تعرض له الشعب السوري كبير وخطير ، وقد هز الجميع، بمن فيهم النظام وأنصاره، فهم الآخرون يحتفلون بانتصارهم على مضض، لأنهم يعترفون بأن معركتهم طويلة، لأنهم وإن قضوا على الثورة، فإنهم لم يقضوا على روحها في نفوس الشعب السوري .. فهي لاتزال متقدة، بدليل أننا لم نستسلم منذ أكثر من ثماني سنوات، وها نحن مستمرون، وكل ما نريده أن يتوقف "حنشرية" المعارضة، عن وضع المزيد من العصي في دواليبنا، وإلا فسوف نكسرها في المرحلة التالية فوق رؤوسهم، ونعلنها ثورة عليهم وعلى النظام، على حد سواء.

*من كتاب - "زمان الوصل"
(227)    هل أعجبتك المقالة (230)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي