أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قيلولة الجولان... ماهر شرف الدين*

قمَّة أبرز ما صدر عنها تلك الصور للقيلولة التي أخذها بعض المجتمعين على الهواء مباشرةً

ما أصاب فلسطين كقضيةٍ عربيةٍ، أصاب الجولان كقضيةٍ سوريةٍ.


انشغال العرب بثوراتهم، التي أدَّت إلى انهيار شامل في بعض البلدان، استغرق جُلَّ انتباههم. للمرَّة الأولى منذ عقود طويلة تتقدَّم أخبار البلاد العربية على خبر فلسطين. وللمرَّة الأولى أيضاً تتقدَّم أخبار المناطق السورية على خبر الجولان.


في بدايات ما سُمّيَ، جُزافاً واستيراداً للمصطلح، "ربيعاً عربياً"، وهو في حقيقته زلزال سياسي اجتماعي هَدَمَ أجزاءً من البناء المنخور للنظام العربي الرسمي، لم تكن قضية فلسطين غائبةً عن شعارات المتظاهرين الأوائل في ساحات المدن المنتفضة، ولم يكن الجولان بلا صوتٍ في المظاهرات السورية الأولى. أحياناً استُخدمت هاتان القضيتان في المظاهرات الشعبية لإدانة الأنظمة، وخصوصاً نظام الأسد الذي جعلهما غطاءً لتشريع الاستبداد ونهب الثروة الوطنية (ظلَّ النفط السوري، طوال نصف قرن، خارج الميزانية الرسمية للدولة بحجَّة الصراع مع إسرائيل).


لكنَّ حالة الاستعصاء الرهيب التي وصلت إليها معظم الثورات العربية (الدمار الشامل في سوريا مع استجلاب المحتلّين، الانقلاب العسكري في مصر مع عودة أشدّ قسوة لسياسة القمع وتكميم الأفواه، الحرب الأهلية في ليبيا بين حثالات العسكر وحثالات المتطرّفين مع محاولات حثيثة لإعادة إنتاج النظام القديم، الكارثة الإنسانية في اليمن مع تحلُّل جغرافي نتج عن اصطدام الطيش العربي بالتخطيط الإيراني) أدَّت إلى تراجع قضيتَي الجولان وفلسطين في حساب تقدُّم الأولويات.


الملفَّان، الفلسطيني الذي حاز صفة "المركزية" عربياً، والجولاني الذي حاز الصفة ذاتها سورياً، أغرقتهما الملفَّات المستجدّة للأزمات العربية المؤجَّلة، والتي انفجرت كجدار سدّ متهالك امتلأ بما يزيد عن سعته واحتماله.


لذلك من الطبيعي، في خضمّ هذه الفوضى العربية الشاملة، أن تستغلّ إسرائيل مواهبها في السطو على أملاك جيرانها، وأن يستغلّ ترامب مواهبه في عالم العقارات. وكما تمَّ الاعتراف، أميركياً، بالقدس عاصمةً لإسرائيل، تمَّ الاعتراف بالجولان أرضاً لإسرائيل.


ولأنَّ حاكمي العرب من أبناء جلدتهم، قد ثبت بالتجربة أنهم مجرَّد سفراء وقناصل وموظَّفين لصالح القوى العظمى، اعتادوا على الاهتمام بتنفيس الغضب الشعبي أكثر من اهتمامهم بالقضية نفسها. ومن أجل ذلك اعتمدوا أسلوب عقد القمم، التي لم يعد يخفى على الشعوب أنها مجرَّد طريقة لرفع العتب ولتنفيس الاحتقان ولمسرحة حالة الشلل العربي إخبارياً وإعادة صوغها في بيان ختاميّ لا يصلح –حتى من الناحية البلاغية- لنشره في بريد القرَّاء.


وبعد قمم رفع العتب لفلسطين، لا بأس من عقد قمَّة رفع عتب للجولان.


وبدلاً من أن تبعث القمَّة العربية المنعقدة في تونس رسالةً قويةً وحازمةً بخصوص الجولان، بعثتْ بتلك الصور الفكاهية لبعض المجتمعين النائمين على كراسيهم وأمام كلّ منهم، على الطاولة، عَلَم بلاده!


وهكذا عُقدتْ قمَّةٌ عربيةٌ من أجل موضوع مصيري، من شأنه أن يضع كرامة الأُمَّة على المحكّ، وكان أبرز ما صدر عنها صورٌ لتلك القيلولة التي أخذها بعض المجتمعين على الهواء مباشرةً، والتي تتناسب تماماً مع ما هو مطلوب منهم إسرائيلياً، وما هو مُنتظَر منهم عربياً.

*من كتاب" زمان الوصل"
(218)    هل أعجبتك المقالة (225)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي