شاءت الظروف أن أكون في اسطنبول خلال شهر نيسان من العام 2017، وحينها كان الفيسبوك السوري ملتهبا بالاستفتاء التركي على تعديل نظام الحكم إلى رئاسي، وربما لم تقل حرارة العالم الافتراضي السوري عن حرارة ساحات أحياء اسطنبول أو كما يسميها الأتراك "ميادين"، وكان معظمها يضم "خيم انتخابية" لمؤيدين للتعديلات ولمعارضين لها، ولا أذكر أنني رأيت "مناوشة" واحدة بين أتراك في أي "ميدان" مررت به، بينما كانت الحرب الافتراضية السورية على الاستفتاء التركي، بين أبناء "الثورة" أشد ضراوة من الحرب التي كانت تعيشها أرضهم، متجاوزة مرحلة النقاش السياسي إلى التخوين والضرب في الأنساب.
خلال إعلان نتائج الفرز الأولية، وكانت لصالح الموافقة على التعديلات، أي لصالح "أردوغان"، قلت لصديق كان يستضيفني، ويقطن في حي غالبيته من المعارضين للتعديلات، دعنا ننزل إلى الشارع ونرى ما يحدث، تردد للحظة وترددت معه، مأخوذين براجمات الفيسبوك السوري، إلا أننا قررنا أن ننزل، كانت الحياة طبيعية جدا حتى أن لا شيء يوحي بأن النتائج أعلنت، والحمد لله أننا لم نصب ونحن ذلك الشارع بأي قذيفة هاون لا فيسبوكية ولا تويترية، فقررنا أن نذهب إلى حي "شيرين إيفلر" وهو من الأحياء التي تشهد استقطابا انتخابيا، حيث يوجد فيه كتلة سكانية كبيرة مؤيدة للتعديلات ولتوجهات حزب العدالة والتنمية وأخرى معارضة له، وصلنا إلى ساحة الحي فوجدناها تعج بالناس من المتسوقين والباعة، كانت ممتلئة بالحياة، بكل شيء، إلا من الاستفتاء وصراعاته، فقررنا أكل "الكُنافة" وعدنا من حيث أتينا.
من الطبيعي أن يجد الحدث السياسي في تركيا صداه في الساحة السورية، فهي منخرطة فيها بشكل مباشر سياسيا وعسكريا، وتستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، ومقيم منهم المؤيد والمعارض والرمادي وكثيرا ما جعلت منهم الأحزاب التركية بنداً أساسيا في برامجها الانتخابية لدرجة تعهد بعضها بإعادة اللاجئين إلى سوريا "خلال ساعات" في حال فوزها، وهذا طبيعي بالنسبة للساسة فهم دائما يكذبون ويزداد كذبهم خلال الحملات الانتخابية، لكن ما هو غير طبيعي أن يصبح الحدث التركي محرضا لانقسام إضافي في الساحة السورية المعارضة، فإن كانت الانتخابات التركية حالة ديمقراطية، فعلى الأقل لنستفد منها في طريقة تعاطينا مع بعضنا البعض لا أن نبث مزيدا من السموم على علاقاتنا المريضة أصلا، فإن قال أحدهم إن المرحلة الديمقراطية التي وصلت إليها تركيا هي بفضل القوانين التي وضعتها الفترة "العلمانية" أخرجه آخرون من الملة واتهم بمعاداة الإسلام، وإن قال أحدهم إن علمانية أتاتورك وأتباعه حرمت الناس حتى من حرية اللباس وممارسة العبادات وأقحمت الجيش في السياسة وأودت بالاقتصادي التركي، فهو متهم بـ"الأسلمة" وربما بـ"الدعشنة"، أما إن قال أحدهم إن العدالة والتنمية وقياداته أعادت لتركيا توازنها الاقتصادي ولم تضرب المكتسبات الديمقراطية للشعب التركي، فهو متهم بـ"الاردوغانية" و"الأخونة" وفي النهاية بـ"الدعشنة".
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية