أعترف أنني واجهت علي الديك في حياتي عشرات المرات، ومررت بالقرب منه على بعد سنتيمترات، لكن ولا مرة قلت له: مرحبا، أو طلبت منه أن أتصور معه، أو أن أبدي إعجابي بفنه.
كان يأتي كثيرا إلى نفس القناة التلفزيونية التي أعمل بها للمشاركة في أحد البرامج، وكان يزعجه حجم التجاهل من العاملين، بمن فيهم أبناء المنطقة الساحلية التي يدعي أنه يغني تراثها.
أبديت مرة استغرابي أمام إحدى الزميلات من تلك المنطقة، عندما سمعتها تتحدث بقرف عن فنه وشكله وعن الأبهة والمرافقة التي يحيط نفسه بها، فقالت لي: "صوتو متل صوت الجحش" .. ثم أردفت: "عنا ما حدا بيسمعو".
رنت عبارتها في أذني، ما شجعني على إبداء رأيي بصراحة به، في وقت كان فيه انتقاد علي الديك بحدة، يشبه جريمة المس بهيبة الدولة ووهن نفسية الأمة، فقلت لها: في الحقيقة، أشعر برغبة للإقياء عندما أسمع غناءه، أما عندما أراه، فيصيبني مغص شديد في بطني، حتى لو كان على التلفاز.
كان النظام يعتقد، وربما يريد، من علي الديك أن يكون أداته الناعمة لفرض ثقافته على المجتمع، بالإضافة إلى أداته الخشنة الأخرى التي هي أجهزة المخابرات، وعلى غرار ما قدمه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في السينما من أعمال تبرز ثقافة وحياة المنطقة الساحلية البسيطة، بعيدا عن شخصية رجل المخابرات وضابط الجيش.
وكان بوسع النظام أن ينجح لو أنه قدم فنانة جميلة ورقيقة، أو أي شخصية أخرى فيها ملامح إنسانية وعاطفية غير علي الديك، غير أن ظهور هذا الأخير، وحديثه للإعلام منذ المرة الأولى، أوحى للجميع وكأنهم يستمعون إلى أحد مهربي الدخان والسردين من جماعة "شيخ الجبل".
البعض يرى أن النظام لم يسع أبدا لاستخدام أي أدوات ناعمة مع الشعب السوري، بل أصر على تقديم شخصية رجل المخابرات في كل ما طرحه من شخصيات عامة أخرى تخص منطقته، سواء في الفن أو الرياضة أو الاقتصاد .. إلخ.
وكان الكثيرون من الشعب السوري، يؤمنون بأن علي الديك وأعضاء فرقته الموسيقية، وكذلك زهير رمضان وفجر ابراهيم وأحمد معلا ورامي مخلوف، كل منهم يحمل مسدسا على خصره، ومستعدون لقتل كل من يخالفهم الرأي أو لا تعجبه أعمالهم، ودون أن يحاسبهم أحد.
وفي المحصلة، فإن ثقافة الإكراه هذه، كانت من الأسباب التي دفعت الشعب السوري للنقمة على هذا النظام، وللثورة على كل النماذج الخرقاء التي حاول إدخالها وفرضها على حياتهم وثقافتهم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية