لم يترك نتينياهو الفرصة السانحة لتوجيه ضربة جوية لمواقع عسكرية في حلب حيث العمق الأبعد لدولة الصمود والتصدي، ومتى في الوقت الذي كانت تصدح فيه في واشنطن عنتريات بشار الجعفري التي اعتدنا على سماعها منذ خمسة عقود، وإن تغير الحماس والوجه القبيح.
نفس الخطابات التي تقرع طبول الحرب ولا حرب، ونفس الكلمات الجوفاء التي لم تحرر شبراً واحداً، والوقت المسروق من دمع السوريين على بلاد مزقتها الحرب ليرتدي الزعيم زيه العسكري ليقتلهم وحدهم بينما يقهقه من جنوب البلاد صوت المحتل شامتاً بتلك الأرواح التي تهرم بانتظار اللحظة التي لن تكون.
ترامب بدوره أرادها نهايات منطقية لصراعات المنطقة، وإيذاناً بولادة شرق أوسط منزوع الأظافر، ومرهون للسيد الاسرائيلي المنتشي بانهيار آخر قلاع الثرثرة، وشتات أهلها في أصقاع الأرض منفيين بلا أمل وبوصلة.
ما الذي فعلته أنظمة المقاومة الورقية طوال خمسين عاماً من احتلال الجولان إن صدقنا رواية احتلاله المفضوحة، وبالمقابل ما الذي حلّ بأهله الذين تناثروا بصفتهم الجديدة (نازحون) في دمشق والمحافظات الجنوبية، ومن هم أولئك الذين تناوبوا على دفنهم مع قضيتهم في مستنقع البحث عن منزل وسقف.
خمسون عاماً من الكذب باسمهم كي تعلو راية البعث على كل أسطح الوطن، وتدور آلة التسول ببيوتهم المدمرة، ويتم التعتيم عليهم في وطنهم الذي لم يولدوا فيه لكنهم يحملون هويته بخانات جديدة لأبنائهم الذين أراد له بعث العروبة أن يدفنوا ذاكرة وطنهم السليب مع جثامين أهلهم.
مات النازحون الأوائل كلهم على أمل واحد بسيط أن يدفنوا في سفح قرية أبيدت وأقيمت فوقها مستوطنة، ماتوا وهم يمسحون آثار الهروب الطويل الأسود في يوم مباغت لم تهزمهم فيه دبابة أو طائرة إنما بيان إذاعي أعلن نهايات أحلام الرعاة والبداة الطيبون.
نتينياهو من دون أي خطبة مارس غطرسة المنتصر، وفي ليل الثرثرة كان يصفع ما بقي من صدى خطابات عقود الكذب ليعلن أن النهاية اقتربت، وأن على الذين يحلمون بالبقاء في كرسي القصر الأخير أن يرفعوا راياتهم البيضاء فحلم الدولة العبرية هو الذي يصعد اليوم.
في المقابل لم تتوقف أبواق المنهارين عن الصراخ الذي لم يعد يمرّ إلا في أسماع المخدوعين وهم بقية الفاسدين الذين يريدون لحس آخر ما يمكن من وجبة الذل، وإن كانوا في أعماقهم يرونها النهاية، وأنهم هم أيضاً لم يصدقوا صدى صراخهم الذليل.
عن اي انتصارات قادمة، وعن أية معارك يمكن أن يجدوا لها أرضاً، وقد صارت دمشق أبعد ما يمكن عن جنوبها، وحلب التي تسكن في أقصى البلاد باتت جبهة الصفعات الجديدة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية