أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وبدأت المرحلة الأمريكية في سوريا.. فؤاد عبد العزيز*

قوات أمريكية في سوريا - أرشيف

إشارات كثيرة تقول، بأن أمريكا بدأت منذ ما قبل نهاية العام الماضي، بوضع لمساتها الأخيرة على الأزمة السورية، لكي تنتهي بالشكل الذي تريده هي ومن خلفها إسرائيل، لا كما يريد الروس والنظام والإيرانيون والأتراك وغيرهم من الميليشيات والدول المتدخلة بشكل مباشرة في القضية السورية.


إذا، ما الذي يريده الأمريكان..؟


في أعقاب سيطرة الروس على الجنوب السوري حوالي منتصف العام الماضي، كآخر بقعة لدى المعارضة، في الجغرافية القريبة من دمشق، بدأت أمريكا بالضغط فعليا على إخراج إيران من سوريا، وبلغت ذروة هذا الضغط في شهر تشرين الأول الماضي، عندما بدأت بمنع واستهداف السفن الإيرانية المحملة بالأسلحة والنفط والغذاء من الوصول إلى البحر المتوسط.


ولاحقا، طلبت أمريكا من بعض دول الخليج العربية، وهي السعودية والإمارات والبحرين، بمد جسور التقارب مع النظام السوري وتعويض الدعم الذي تقدمه إيران، في محاولة لشد نظام الأسد أكثر نحو طوق النجاة الأمريكي.


وكانت أمريكا قبل ذلك التاريخ بأكثر من عام، قد أوعزت لذات دول الخليج بإعادة تشكيل المعارضة السورية المفاوضة للنظام، وتخليصها من العناصر المتمسكة بتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف1، وذلك كبادرة حسن نية من الأمريكان تجاه النظام، بأنهم ينوون مساعدته.


النظام السوري من جهته، قرأ جيدا هذه الإشارات الأمريكية، لكنه فسرها على أنها تدخل في باب فشل الدول الداعمة للثورة، سيما وأنه أدرك منذ البداية، بأن أمريكا وإسرائيل لا تريدان إسقاطه وإنما إضعافه فقط.


في هذه الأثناء، عرفت أمريكا بأن النظام لن يتخلى عن إيران، مثلما هذه الأخيرة لن تتخلى عنه، لذلك بدأت بالمرحلة الثانية من الضغوط، والتي تجلت بالطلب من دول الخليج بتجميد كل محاولاتها للتقارب مع النظام، ومن ثم قامت بالعمل على ما يعرف بـ"قانون سيزر"، الذي يعطيها صلاحيات بمعاقبة كل من يفكر بالتعاون مع النظام، من شركات ودول.


وزيادة على ذلك، قامت السفارات الأمريكية في الدول العربية والمحيطة بسوريا على وجه الخصوص، بتوجيه إنذار شديد اللهجة بوقف كل تعاملاتها التجارية مع النظام ووقف أنشطة شركاتها الاستثمارية التي كانت تتحضر للدخول إلى سوريا والمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار.

وكانت الأردن هي المتضرر الأكبر من هذا الإنذار، بعد أن كانت قد حصلت على موافقة أمريكية، بإعادة فتح معبر نصيب وتشغيله في الشهر التاسع من العام الماضي، ما ساهم في إنعاش سوقها الغذائية.. لكنها اليوم مطالبة أمريكيا بوقف كل ذلك.


وعلى جانب آخر، ولأول مرة منذ العام 2011، تطلب أمريكا من نظام السيسي في مصر، بمنع مرور السفن الإيرانية عبر قناة السويس والتي كانت تحمل يوميا 60 ألف برميل نفط للنظام، عدا عن الأسلحة والمواد الغذائية.


إذا، الضغوط الأمريكية على النظام السوري لإخراج إيران من أراضيه، حقيقية، والتي توجتها أخيرا، باعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.


لكن كل ذلك لم يخبرنا ما الذي تريد أمريكا أن تضعه من لمسات أخيرة على الأزمة السورية.. أو بمعنى آخر، ماذا لو خرجت إيران بالفعل من سوريا، هل يعني ذلك أن أمريكا سوف تدعم النظام السوري على نحو علني؟


لقد أعطت أمريكا الكثير من الإشارات، إلى أنها تكتفي بما وصل إليه النظام السوري من ضعف وتهلهل، بالإضافة إلى أن سوريا بحاجة إلى أكثر من نصف قرن من أجل أن تقف على قدميها من جديد، وكل ذلك مكفول بالاتفاقيات والتفاهمات الروسية مع النظام، والذي يعطي لموسكو الحق بالتواجد على الأراضي السورية، واستثمار كل مواردها الاقتصادية لصالحها، ضمانا لسداد ديونها.


كما تشكل سيطرة الأكراد على المنطقة الشرقية من سوريا، عاملا إضافيا في إضعاف النظام السوري اقتصاديا، وهي منطقة، كما هو معروف، تحوي أكثر من 70 بالمئة من مقدرات البلد الاقتصادية.


وتبقى المشكلة الوحيدة لدى أمريكا، هي القوة العسكرية الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية، والتي تسعى لطرح نفسها كبديل عن قوة النظام العسكرية المهدورة والمدمرة.


لذلك، لا مشكلة لدى أمريكا أن يبقى نظام الأسد في السلطة إلى ما شاء، كما ليس لديها مشكلة في بقاء ملايين السوريين مشردين في المخيمات وفي شتى أصقاع الأرض، ولا يهمها كذلك إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، أو أن تحقق الثورة ولو الجزء اليسير من مطالبها.. كل ما يعنيها، هو إضعاف سوريا وبقائها مدمرة، تتنازعها الصراعات والحروب الداخلية، بما يريح إسرائيل أطول فترة ممكنة.


أما قصة إخراج إيران من سوريا، فليس خوفا من قوتها العسكرية على إسرائيل، فهي تعلم أن إيران لن تجرؤ على القيام بأي عمل من هذا النوع .. كل ما في الأمر، أن إيران تستخدم أسلوب النباح على إسرائيل، وهي تسعى لتنفيذ مشروعها في المنطقة والسيطرة على سوريا، بينما أمريكا لا تريد أن تسمع حتى هذا النباح!

*من كتاب "زمان الوصل"
(217)    هل أعجبتك المقالة (256)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي