يمزج الفنان السوري المقيم في لبنان "صالح الهجر" في جداريته الجديدة (التغريبة السورية) بين الخط العربي أو ما يُعرف بالحروفية العربية والصور الفوتوغرافية بطريقة الكولاج في وحدة تآلفية تحاول أن تستنطق الوجع السوري وتعكس معاناة السوريين ومأساة نزوحهم وشتاتهم داخل وخارج البلاد، فالفنان في الظروف والأحوال العادية هو بمثابة نافذة تطل على المجتمع وتحاكي مجمل القضايا التاريخية والاجتماعية والفكرية والسياسية وحتى الإقتصادية ومن خلال معايشته للأحداث التي حصلت ولا زالت للشعب السوري حاول "الهجر" –كما يقول لـ"زمان الوصل"ـ أن يوثق بشكل بصري تشكيلي لعناوين بسيطة لكنها مليئة بالتفاصيل وحكايا الناس التي تختزن الكثير من المعاناة، وتوثق أيضاً خروج السوريين للمطالبة بحقوقهم المشروعة والهمجية العسكرية التي قابلت هذه المطالب بكل أصناف القتل والتنكيل.
ومنها -كما يقول- القصف بالدبابات والطائرات والاعتقالات وتصفية المعتقلين داخل السجون وتوثيق المجازر التي حصلت بحق السوريين، ومن بعدها ظهور القوى الظلامية تنظيم "الدولة" وهو خليط من عدة عناصر استخباراتية تعمل على تشويه الإسلام الذي كان هو والنظام -حسب قوله- يعملون على تهجير الناس وتفريغ المدن من أهلها وإرغامهم على الهجرة والخروج مكرهين من بيوتهم وقراهم ومدنهم ليجدوا أنفسهم أمام رحلة محفوفة بالمخاطر الموت، وقد مات الكثير من المهجرين وهم في عرض البحر أو على الجبال حين ماتوا من البرد ومأساتهم في البراري.
ولفت الفنان المتحدّر من ريف دير الزور إلى أن ما حاول أن يقدمه في جداريته التي استغرق إنجازها شهراً هو التوثيق البصري التشكيلي بطريقة الدمج ما بين صورة من الواقع مع الحرف العربي كعنصر تشكيلي، وهذا شيء جديد ومختلف -حسب قوله- مضيفاً أن العادة سرت أن يكون التوثيق هو تدوين أو تصوير فقط كخبر صحفي أو تحقيق استقصائي، ولكنه حاول أن يجعل من عمله الجديد وثيقة تاريخية دائمة تروي شيئاً من المأساة والمعاناة التي عاشها الشعب السوري، وتلخص ما حدث منذ العام 2011 لغاية العام 2018.
ولفت محدثنا إلى أنه استحضر خلال إنجاز كل تفصيل من اللوحة التي تبلغ مساحتها 16 م أحلام وآلام الناس والذكريات التي تركوها وهجروها، موضحا أنه حاول من خلال هذا العمل أن يوثق المرحلة التي عاشها الشعب بشقائها وتعبها ومأساتها.
وفيما يتعلق بطغيان اللونين الأصفر والأحمر على اللوحة وهل لهذا دلالة على المستوى النفسي والفني أوضح محدثنا أن مناطق الصحراء كانت هي طريق الخلاص الوحيد في أغلب الأحيان خلال رحلات النزوح والتهجير، واللون الأحمر هو حالة رمزية للدماء التي سُفكت هناك، ومنها في الصحراء حيث قتل تنظيم "الدولة" في غضون أيام "أكثر من ألف وخمسمائة شهيد من أبناء عشيرة الشعيطات وحدها وتم دفنهم في صحراء ريف دير الزور".
وحول اختياره للصور الفوتوغرافية وتوظيفها داخل اللوحة بطريقة "الكولاج" أوضح "الهجر" أن اختياره لهذه الصور المأخوذة من مواقع لوكالات أنباء عالمية وبعض مواقع ووسائل الإعلام ذات المصداقية جاء بهدف الدلالة التوثيقية أكثر من أن تكون رسماً وهي معالجة -كما يقول- لتكون لها ديمومة كما لو أنها ألوان "أكريليك".
ويعتبر فن الكولاج من أهم وأجمل الفنون التي تشكل اللوحات الفنية الرائعة، يعتمد على قص ولصق عدة خامات مختلفة ومتعددة معاً لتكوين لوحة فنية، واستطاع هذا الفن الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي إحداث تغيير كبير في الفن التشكيلي والرسوم الزيتية في القرن العشرين.
وولد "الهجر" في مدينة "الميادين" التابعة لمحافظة دير الزور عام 1979، حيث عاش وتعلّم في مدارسها، وأولع منذ طفولته بالكتابة قبل دخوله المدرسة، وأقام وشارك في الكثير من المعارض التشكيلية في سوريا والوطن العربي منذ منتصف التسعينات كان آخرها معرض فردي بعنوان "روح أنثى" من مجموعة الكلمة بين الخط والشعر في بيروت مع الشاعرة "سعاد زكي بصمجي" ومعرض جماعي بعنوان "من الذاكرة" مع الفنان أحمد الجنايني –مصر والفنان عبد الناصر ياسين من لبنان في مركز العزم الثقافي الميناء بمدينة "طرابلس" اللبنانية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية