ما إن أشرفت "داعش السوداء" على الانتهاء حتى برزت إلى الوجود وبطريقة دامية "داعش البيضاء" إن جازت لنا التسمية، واعتقد أنها تجوز لجهة الشبه بين أسلوب تنفيذ جريمة نيوزيلندا وهي تمثل "الداعشية البيضاء" وبين ما ارتكبته "داعش السوداء" من جرائم، ناهيك عن شبه آخر هو انطلاق الجهتين من "أحقاد" مبنية على مزاعم تاريخية، وربما هذه الأخيرة لا تختلف كثيرا عن "التاويلات" التي تخالف "العقل" فضلا عن "النقل"، وهما وإن كانا على طرفي النقيض إلا أن بينهما علاقة عضوية، فكل منهما ينمو على طروحات الآخر، ويجد فيها مبررات لكسب المزيد من "قاعدة شعبية" مهيأة -لأسباب يطول شرحها- لتكون أداة ووقودا لمحرقة القوى الحقيقية التي تقف وراء البيضاء السوداء.
الخراب الذي جلبته داعش الشرق الأوسط، ممثلة بالقاعدة وتنظيم الدولة وفصائل الحشد الشيعي العراقي وميليشيات حزب الله، وإن اتضحت الجهة التي تقف خلفه - أو المستفيد الأكبر منه على الأقل- وهي إيران وآخرون بدرجات متفاوتة، قد تُفهم دوافعه من دولة نشأت على نصوص "دموية" محشوة بالخرافة وأخرى مزعومة ترى في قتل المخالف تقربا إلى الله، دون أن تتجاهل توظيف الأحداث التاريخية في "مسح" الأدمغة من خلال اللعب على المشاعر، ولعل الساحة العراقية شاهد وشهيد على هذا النهج الدموي، الذي أجاد اللعبة الاستخباراتية أيضا مع القطاع السني من التنظيمات السابقة عبر المساحة الجغرافية الممتدة من ساحات أفغانستان وصولا للساحل السوري.
إن كان كل ما سبق يمكن فهمه من دولة تريد أن تبقى الفتن مشتعلة في المنطقة لتنجو من حالة التغيير الذي بدأت عجلته في المنطقة مع بدء الربيع العربي، لكن ما لا يمكن فهمه كيف لأوروبا التي شكلت –نسبيا- في ديمقراطياتها وفي رفعها من قيمة الإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه نموذجا تنويريا، كيف لها ألا تتصدر المشهد في مواجهة الفكر "الداعشي الأبيض" بمزيد من القوة وتكتفي بالتعاطي مع النماذج الإجرامية لها بطريقة خجولة لا تتجاوز بيانات وتصريحات إعلامية هنا وهناك.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية