أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

داعش البيضاء.. حسين الزعبي*

أرشيف

ما إن أشرفت "داعش السوداء" على الانتهاء حتى برزت إلى الوجود وبطريقة دامية "داعش البيضاء" إن جازت لنا ‏التسمية، واعتقد أنها تجوز لجهة الشبه بين أسلوب تنفيذ جريمة نيوزيلندا وهي تمثل "الداعشية البيضاء" وبين ما ارتكبته ‏‏"داعش السوداء" من جرائم، ناهيك عن شبه آخر هو انطلاق الجهتين من "أحقاد" مبنية على مزاعم تاريخية، وربما هذه ‏الأخيرة لا تختلف كثيرا عن "التاويلات" التي تخالف "العقل" فضلا عن "النقل"، وهما وإن كانا على طرفي النقيض إلا ‏أن بينهما علاقة عضوية، فكل منهما ينمو على طروحات الآخر، ويجد فيها مبررات لكسب المزيد من "قاعدة شعبية" ‏مهيأة -لأسباب يطول شرحها- لتكون أداة ووقودا لمحرقة القوى الحقيقية التي تقف وراء البيضاء السوداء.‏

الخراب الذي جلبته داعش الشرق الأوسط، ممثلة بالقاعدة وتنظيم الدولة وفصائل الحشد الشيعي العراقي وميليشيات ‏حزب الله، وإن اتضحت الجهة التي تقف خلفه - أو المستفيد الأكبر منه على الأقل- وهي إيران وآخرون بدرجات ‏متفاوتة، قد تُفهم دوافعه من دولة نشأت على نصوص "دموية" محشوة بالخرافة وأخرى مزعومة ترى في قتل المخالف ‏تقربا إلى الله، دون أن تتجاهل توظيف الأحداث التاريخية في "مسح" الأدمغة من خلال اللعب على المشاعر، ولعل ‏الساحة العراقية شاهد وشهيد على هذا النهج الدموي، الذي أجاد اللعبة الاستخباراتية أيضا مع القطاع السني من ‏التنظيمات السابقة عبر المساحة الجغرافية الممتدة من ساحات أفغانستان وصولا للساحل السوري.‏

إن كان كل ما سبق يمكن فهمه من دولة تريد أن تبقى الفتن مشتعلة في المنطقة لتنجو من حالة التغيير الذي بدأت عجلته ‏في المنطقة مع بدء الربيع العربي، لكن ما لا يمكن فهمه كيف لأوروبا التي شكلت –نسبيا- في ديمقراطياتها وفي رفعها ‏من قيمة الإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه نموذجا تنويريا، كيف لها ألا تتصدر المشهد في مواجهة ‏الفكر "الداعشي الأبيض" بمزيد من القوة وتكتفي بالتعاطي مع النماذج الإجرامية لها بطريقة خجولة لا تتجاوز بيانات ‏وتصريحات إعلامية هنا وهناك.‏

دفعت أوروبا خلال القرن الفائت عشرات ملايين الضحايا جراء الحربين، العالمية الأولى والثانية، وهي حروب وإن ‏تداخلت فيها المصالح السياسية والاقتصادية، إلا أن الأفكار اليمينية القومية المتطرفة وهي شكل من أشكال "الدعشنة" ‏كانت حاضرة بقوة في الخطاب السياسي والإعلامي الذي سبقها، وبالتالي مطالبة أكثر من أي وقت بالتصدي للفكر ‏اليميني المتطرف، لاسيما الديني منه فهو يفتك بمجتمعه المحلي وبمكتسباته قبل أن ينتقل إلى الخصم المفترض في ضفة ‏أخرى من العالم.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(204)    هل أعجبتك المقالة (189)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي