أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

راحتا جميلة بوحيرد.. ماهر شرف الدين*

بوحيرد تصافح بشار الأسد

لا أعتقد أن سوريَّـاً من أبناء جيلي يمكنه أن ينسى تلك القصيدة التي كانت مقرَّرةً في منهاج المرحلة الثانوية، والتي تتحدَّث عن مقاومة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد لسجَّانها:


"لن تسمع الجدرانُ يا جميلهْ/ فالسجنُ مثلُ جبهةِ السجَّانِ/ من حجرٍ صخرٍ ومن صوَّانِ/ وما الذي تصنعُ راحتانِ/ جميلتانِ مستطيلتانِ/ لامرأةٍ صغيرةٍ نحيلهْ".


فالقصيدة التي كتبها الشاعر السوداني محمد الفيتوري تحت عنوان "رسالة إلى جميلة"، كانت من بين القصائد التي أُفرِدَ لها حيّز مهمّ في ذاكرتنا المدرسية، ليس لأنها كانت مُدرجةً ضمن لائحة التوقُّعات كقصيدة أساسية في الامتحانات فحسب، بل لأنها أيضاً كانت مُترعةً بالمعاناة الإنسانية لامرأة عربية ناضلت ضدَّ الاستعمار الفرنسي لبلادها قبل أن يعتقلها ويسجنها، بل ويصدر فيها حكم إعدام لم يُنفَّذْ بسبب الضجَّة العالمية التي رافقت قضيتها.


كلُّ شيء في قصَّة تلك المرأة الجزائرية، من الاسم إلى الحكاية، كان يُلهب مشاعرنا الطفولية المتلهّفة إلى سماع أخبار الأعمال البطولية ومقارعة السجَّانين والاستعمار والعملاء.


لكنَّ المرَّة الأولى التي أُتيح لي فيها أن أرى صورة هذه المرأة المناضلة كانت قبل عشر سنوات فقط، وتحديداً في العام 2009، عبر خبر منشور في الإنترنت. فقد كنتُ آنذاك من بين الذين يظنُّون بأن جميلة بوحيرد ليست على قيد الحياة. ربَّما لأنَّ بُعد الزمن المدرسي الذي تقع فيه القصيدة المذكورة أعماني عن التفكير بالبحث عن صورةٍ لها، أو خبرٍ عنها، بعد دخول محرّك "غوغل" إلى حياتنا.


وكم كان صادماً لي أن الصورة الأولى التي أراها للمناضلة جميلة بوحيرد كانت وهي تصافح بشار الأسد أثناء تقليدها "وسام الاستحقاق السوري"!!


لقد غادرتُ جميلة بوحيرد وهي تصارع سجَّانها في القصيدة المدرسية، وحين رجعتُ وجدتُها تصافح سجَّاناً أسوأ من السجَّان الذي قاومتْه!


مع ذلك، كان يمكن تبرير ما فعلته بوحيرد في سنة 2009، من خلال محاكمة فهمها السياسي السطحي لواقع الاستبداد في سوريا، معطوفاً على الدور الأسود لبعض الإعلام العربي الشعبوي الذي كان قد رفع مَنْ هو على شاكلة بشار الأسد إلى مرتبة "الرئيس المقاوم".


لكن مع اندلاع الثورات العربية، وانفضاح مستوى التوحُّش الذي مارسه نظام الأسد ضدَّ شعبه، لم يعد ممكناً تبرير موقف بوحيرد التي استمرَّت في تأييد الأسد، بل وأضافت إلى ذلك "فضيلة" أخرى ألا وهي تأييد الدكتاتور عبد الفتَّاح السيسي في مصر!


وكأنَّ بوحيرد بعملها هذه تدعونا إلى إعادة النظر في تاريخنا العربي وأبطاله. أو كأنها تحاول لفت انتباهنا إلى أنَّ الفشل السياسي المريع الذي أعقب استقلال بلادنا العربية له سبب رئيسيّ يكمن في نوعية العقليات السياسية للذين حملوا لواء الاستقلال.


***
كانت القصيدة تقول: "وما الذي تصنعُ راحتانِ/ جميلتانِ مستطيلتانِ/ لامرأةٍ صغيرةٍ نحيلهْ".
لقد صنعتا ما لم نكن نتخيَّله يوماً: صافحتا الجلَّاد، وصفعتا الشعوب!

*من كتاب "زمان الوصل"
(516)    هل أعجبتك المقالة (538)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي