أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

18 آذار.. تاريخ لن يتكرر*

أرشيف

رويت هذه القصة عشرات المرات، ولازلت قادرا على روايتها بنفس الحماسة التي شعرت بها، في يوم 18 آذار من عام 2011.


كنت في ذلك اليوم برفقة مدير مكتب وكالة "سانا" في درعا، عندما اتصل به محافظ درعا فيصل كلثوم، ليخبره أن هناك اعتصاما كبيرا أمام الجامع العمري، وأن عليه أن يلتحق بعمله مباشرة.


أما أنا، فكنت على وشك السفر إلى دمشق من أجل الالتحاق بعملي في مركز الوكالة، الذي يبدأ في الساعة الثامنة مساء.


كنا في ذلك الوقت نشعر بإهانة بالغة، ونحن نتابع أخبار الثورات والبطولات في تونس ومصر وليبيا، بينما كان رئيسنا قد صرح للإعلام، بأن الشعب في سوريا يحبه، وأن هناك تناغما وانسجاما بين المواطنين والقيادة، ولا يمكن أن يحدث عندنا ما حدث عندهم.


كانت هذه التصريحات بمثابة صفعة على وجه كل سوري، الذي كان يشعر أنه ليس أقل رجولة وتوقا للحرية من شقيقه التونسي والمصري والليبي. وخصوصا أنه كان هناك إحساس عام لدى السوريين، بفقدان الهيبة والكرامة والقيمة الوطنية، بسبب التصرفات الصبيانية والمخجلة للرئيس، الذي كان قد ورط بلده وشعبه بمواقف وقرارات وتصريحات غير مسؤولة، ناهيك عن أوضاع الفساد والسرقة والمحسوبية، التي زادت أضعافا مضاعفة عن السابق، والتي تركت أثرا واضحا في نفوس السوريين، بأن هذا الرئيس كذاب، ولم يحقق شيئا من وعوده عن الإصلاح ومحاربة الفساد.


كل ذلك، جعل العيون تتعلق باعتصام الجامع العمري في درعا، والنظر إليه على أنه ليس كسابقه من محاولات للاحتجاج على هذا النظام، والتي كانت جميعها تستطيع محاصرتها وإنهاءها في درعا ، كان هناك إحساس عام بأن الثورة السورية قد بدأت بالفعل .. لأن الجماهير هنا هي من تحركت.


وأذكر عندما وصلت الساعة الثامنة مساء إلى صالة التحرير في مبنى وكالة "سانا"، كانت الوجوه مكفهرة، في مشهد يشبه تماما، عندما مات حافظ الأسد في العام 2000.


حدق الجميع بي، وكانوا يعلمون أنني قادم للتو من درعا ..أخذ البعض يوجهون لي الأسئلة عما يجري هناك، فأخبرتهم بقلق مصطنع، بأن الأوضاع صعبة، وهي تنذر بانفجار عظيم، إذا لم تبادر القيادة للتصرف بحكمة.


أحد المخبرين من الصحفيين، لاحظ النشوة في عيني وأنا أروي لهم تفاصيل الأحداث في درعا، فقال بلهجة مستفزة وهو يضع يديه في جيبي بنطاله: "كتيبة من سرية المداهمة قادرة على ضبط هؤلاء الأوباش وإرجاعهم صاغرين إلى بيوتهم".


لأول مرة أشعر بعدم رغبة لصفع من يستفزني .. لأنني قرأت في وجهه خوفا ورعبا، لو وزعته على جميع المؤيدين لكفاهم.


كان العمل متوقفا في الوكالة، والكل يجلس وراء أجهزة الكمبيوتر، بانتظار ما سيقوله الإعلام الرسمي، عند الساعة الحادية عشر ليلا، أضاءت الأجهزة في إشارة إلى ورود خبر جديد عن "سانا". كان الخبر من ثلاثة أسطر فقط ، يتحدث عن تجمع عدد من المواطنين في درعا عند الجامع العمري ودخول مندسين على التجمع وإطلاق النار عليهم ما أدى إلى مقتل اثنين.


طبعت الخبر على الفور، وهرعت به إلى أمين التحرير المسؤول عن أخبار الفترة..قلت له بصوت حاد: هذا الخبر كاذب!


نظر إلي ولم يقل شيئا.. ثم تابعت: أنا منذ الظهيرة على اتصال بمكان الحدث وهذا الكلام كاذب وسوف يؤدي إلى انفجار الأوضاع أكثر..ظل أمين التحرير ينظر إلي دون أن ينبس ببنت شفة، فرجعت إلى صالة التحرير التي أخذ يعلو فيها الهرج والمرج بعد صدور الموقف الرسمي، وكان المؤيدون قد تجمعوا حول بعضهم البعض، وبدأت أصوات ضحكاتهم تملأ المكان..وكأنه قضي الأمر.


أدركت حينها أن الثورة سوف تشتغل أكثر وأكثر.. لكن لم يخطر ببالي أبدا أنها سوف تمتد لثماني سنوات، مثلما لم يخطر ببالي أنه بعد كل هذا الإجرام، فإن الشعب السوري لايزال يريد إسقاط النظام.

*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
(275)    هل أعجبتك المقالة (267)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي