شهدت الفترة الماضية اندفاعة عربية نحو التطبيع مع النظام السوري فكانت خطوة إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق وسبقتها لقاءات بين وزير خارجية النظام وليد المعلم ونظيره البحريني الشيخ خالد بن أحمد خليفة على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وجاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير كأول زيارة لرئيس عربي إلى العاصمة دمشق منذ تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وكانت روسيا قد سعت لعودة سوريا إلى الجامعة وإعادة النظام إلى محيطه العربي ولاقت الدعوة الروسية بعضا من التجاوب كانت ملامحه واضحة وانعكست جليا في الرسائل الإعلامية التي بثتها المحطات العربية الهامة وطريقة تناولها للملف السوري فاختفت كلمات مثل (النظام) وتم استبدالها بكلمة (الحكومة) ففيما اعتادت بعض الصحف على ذكر الجيش السوري بالقول (جيش النظام) تبدلت الصفة لتصبح (جيش الحكومة) وهذا التبدل له دلالاته الهامة في عالم الإعلام والميديا.
إذا كانت هناك رغبة عربية في إعادة علاقاتها مع النظام، هذه الرغبة تجمدت فجأة ودخلت في ثلاجة العلاقات الديبلوماسية وظن البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وراء هذا التجميد وأنها ضغطت على الأنظمة العربية لكبح اندفاعتها اتجاه النظام، ولكن وعلى الرغم من صحة هذا الكلام بنسبة ما إلا أنه ليس السبب الوحيد وراء برود النظام العربي في علاقاته مع دمشق، فكلنا يتذكر أن الأسباب التي ساقها العرب المندفعون للتطبيع مع النظام كانت بحجة الحد من سقوط النظام في الحضن الإيراني ومحاولة، لكن النظام قام بخطوة فاجأت الجميع بما فيهم الروس وهي زيارته إلى طهران ولقاءاته مع الرئيس روحاني ما جاء معناه واضحا بالنسبة للفريق المشجع للتطبيع فجاء أول رد على تلك الزيارة من موسكو حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن (الأسد ليس ملاكا ونحن لن ندافع عنه طيلة الوقت) ولكن رد موسكو الأقوى على تفرد الأسد بقرار زيارة طهران كان في إعادة نشر الصور المهينة لبشار الأسد خلال لقائه بوتين في مطار حميميم إضافة إلى إعادة نشر صورة لبشار الأسد في الكرملين واقفا وحده فيما بوتين يتحدث إلى مساعديه.
أما الرد العربي فكان في منع مناقشة عودة سوريا إلى الجامعة العربية في القمة الأخيرة وحتى في اجتماع وزراء الخارجية العرب وهذه المواقف جاءت لإدراك العرب أن النظام لن يتخلى عن إيران بل على العكس من ذلك فهو يريد إقناع القادة والمسؤولين العرب بأهمية الخط السوري – العراقي – الإيراني فأدرك الجميع أن طهران عند بشار الأسد تساوي كل العواصم العربية مجتمعة وأن ثقته بنظام الملالي لا تقارن بفقدان ثقته بالنظام العربي، هذا على صعيد ما يريد العرب والآخرون من بشار الأسد، ولكن ماذا عنا نحن السوريين؟ من يتكلم باسمنا؟.
الجواب لا أحد، ولعل الملاحظ أن جميع المفاوضات السرية والعلنية مع النظام كانت تتمحور حول علاقته بإيران دون أن يذكر أيّ من أولئك المسؤولين كلمة واحدة عن المعتقلين في سجون النظام أو عودة المهجرين واللاجئين بأمان إلى بيوتهم ووظنهم ولم تتطرق أي من تلك المباحثات عن معاقبة المسؤولين عن شهداء الاعتقال أو عن المخفيين قسرا ولا حتى عن مجهولي المصير الذين يبلغ عددهم مئات الآلاف.
النظام العربي ككل لا يهمه السوري وإنما يهتم بمصالحه وكأن ليس للسوريين إلا الرماد فحتى المفاوضات حول الدستور الجديد وتشكيل لجنته المشتركة الذي تدعي المعارضة أنها تقوده (وهو ادعاء فارغ بالتأكيد)، فإن المعارضة لم تأت على ذكر المعتقلين في مفاوضاتها منذ سنين مكتفية بالمطالبات الإعلامية فقط.
وفوق كل ذلك يصر الأسد على إعادة تماثيل والده إلى الساحات العامة في المدن التي (حررها) وهو إصرار له تفسير واحد مفاده أن النظام لن يقدم أية تنازلات وهو عازم على عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية في 2011، وهذا له بالتالي دلالاته الواضحة فلا إطلاق سراح للمعتقلين ولا مفاوضات حول حقوق سياسية ولا تغير في خط النظام الذي انتهجه منذ العام 2011 وحتى الآن.
هذا ما يريد النظام قوله للجميع محليا وإقليميا وعالميا، فهو يريد اللقمة كبيرة كما كانت قبل آذار 2011، ونحن لا يبقى لنا إلا الأمل في أن تكون اللقمة أكبر من حلقه فلعله يختنق بها وهنا برأيي الشخصي لا مناص أمام السوريين إلا في الاستمرار بثورتهم بعيدا عن تدخلات الآخرين قدر الإمكان والإصرار على مطالبهم التي أعلنوها في بداية الثورة في الدولة المدنية الحرة القائمة على مبدئي العدالة والمساواة، وإلا فلن يكون للسوريين إلا قبض الريح.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية