أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"معارضة" من نوع آخر.. ماهر شرف الدين*

حوَّل المؤيّدون الغاضبون صفحات الفيسبوك إلى ميادين افتراضية للتظاهر

إثر الهدوء الحاصل على جبهات القتال، فُتحتْ جبهةٌ جديدةٌ على نظام الأسد.


استحقاقات كثيرة ساهم الخوف في تأجيلها. دعاية النظام عن معارضيه، عبر إظهارهم بمظهر أَكَلة لحوم البشر، جعلت الحاضنة الشعبية للنظام تعضّ على نواجذها المعيشية ولا تنبس ببنت شفة، معتبرةً سكوتها جزءاً من المجهود الحربي. لكنْ، مع انقشاع جزء كبير من غمامة الحرب، بدأت هذه الشريحة من مؤيّدي النظام بتجريب صوتها.

إنَّ التلاعب الذي مارسه إعلام النظام مع مفرداتٍ مجرَّدةٍ طرحتها جماهير الثورة مثل "حرية" و"ديموقراطية"، لا يمكن ممارسته مع مفردات شديدة الوضوح وغير قابلة للتأويل مثل "خبز" و"مازوت" و"قنّينة غاز".


فالوضوح المفرط، والبساطة المفرطة، والأحقّية المفرطة، لهذه المفردات المطلبيَّة، تضع نظاماً -اعتاد على الغموض والتعقيد والظلم- في مأزق كبير.


لقد وصل الغضب ببعض المنتمين إلى تلك الشريحة إلى درجة قيامهم، على سبيل النكاية، بتقديم اعتذار علنيّ من "القنوات الـمُغرضة"، وهي التسمية الرسمية لكلّ وسائل الإعلام التي بادرت إلى تغطية مظاهرات الثورة وقمع الأسد لها.


الخطاب الأخير لبشار الأسد، والذي اعتبر فيه حرب مواقع التواصل الاجتماعي أخطر أشكال الحروب على نظامه، لا يريد الاعتراف بأنها ليست حرباً، بل هي مظاهرات افتراضية لجمهوره الغاضب.


لم يكن بمقدور الأسد أن يقول الحقيقة كما يجب أن تُقال: إنَّ أخطر حربٍ تُخاض علينا هي الحرب التي تشنُّها حاضنتنا الشعبية.


لقد حوَّل المؤيّدون الغاضبون صفحات الفيسبوك (الموقع الاجتماعي الأكثر استخداماً في سوريا) إلى ميادين افتراضية لتظاهر فئةٍ يمكن تسميتها بـ"المعارضة المعيشية" تمييزاً لها عن المعارضة السياسية.


لذلك أُريد لاعتقال مؤسّس صفحة "دمشق الآن" وسام الطير، ثمَّ تسريب شائعة مقتله تحت التعذيب، أن يبعثا برسالةٍ واضحةٍ لجميع روَّاد السوشال ميديا، من مديري الصفحات، إلى محرّريها، إلى الناس العاديين أصحاب التعليقات: لن نتسامح مع كلّ من يفتح ملفّ الأزمة المعيشية، حتى ولو على شكل استفتاء بسيط كذاك الاستفتاء الذي طرحته صفحة "دمشق الآن" عن أزمة الوقود.


فأركان النظام يدركون جيّداً بأنَّ المواجهة، وتحت أيّ عنوان، مع معارضة منبثقة من داخل الحاضنة الشعبية، لن تكون أقلَّ خطورة من المواجهة التي خيضت مع المعارضة الصريحة طوال السنوات الماضية.


ولادة مثل هذه "المعارضة" غير السياسية، المقتصرة على الشقّ المعاشي، تُخيف النظام لأنها، ببساطةٍ، معارضةٌ لا يمكن تخوينها، فلا وجود في أدبياتها لمصطلحات المعارضة السياسية.


إنها "معارضة" لا تمانع في بقاء بشار الأسد حاكماً للأبد، ولكن بشرط أن لا يكون ثمن دوام كرسيّه... دوام الجوع والبرد.

*من كتاب "زمان الوصل"
(214)    هل أعجبتك المقالة (196)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي