أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

النظام وكذبة استعادة إدلب... فؤاد حميرة*

من مظاهرات إدلب - ارشيف

لست أميل شخصيا إلى تصديق رواية النظام حول عزمه استعادة المناطق المحررة وتحديدا إدلب وما أعتقده أن الروس هم الذين يضغطون في هذا الاتجاه ضد رغبة النظام في إبقاء سعير الحرب مشتعلة والحفاظ قدر الإمكان على ما تبقى من جيوب لداعش والنصرة، ذلك أن كلا التنظيمين مع باقي التنظيمات الموضوعة على لائحة الإرهاب الدولية تشكل حجة بقاء النظام ومبرره أمام دول الإقليم ودول الغرب في ذات الوقت، إضافة إلى جملة عوامل أخرى يرى النظام من خلالها أن ترك الوضع على ما هو عليه دون دخول جيشه إلى إدلب مصلحة كبيرة، إذ بات من الواضح أن بقاء النظام مرتبط ببقاء الجماعات الإرهابية واستمرار ما أعلنه حربا ضد الإرهاب لذلك يجد أن احتفاظ جبهة النصرة والدولة الإسلامية ببعض الجيوب غير المؤثرة فعليا نوعا من المساعدة التي يحتاجها.

للإيرانيين وجهة نظر متطابقة مع النظام في هذا الموضوع، ولكن لتحقيق غايات أخرى فمصالح طهران تتطابق مع مصالح النظام في ضرورة بقاء الحرب على أوارها، ولكن التوظيف يختلف ذلك أن نظام الملالي في طهران يجد مبررا لبقاء قواته في سوريا أولا وحجة لتوسيع انتشاره على الأراضي السورية، وربطها بالممر التجاري مع العراق الذي يصلها بالبحر المتوسط، كما يجعل إيران أقرب إلى إسرائيل ما يعني استمرار استغلالها لموضوعة المقاومة وقيادتها لجبهة الصراع مع إسرائيل، وبالتالي يكون لحزب الله –ذراع إيران العسكري في المنطقة- حرية التحرك والضرب في كل مكان بحجة تحرير القدس والقضاء على الكيان (الصهيوني).

يصر الروس على اقتحام إدلب لسحب ذريعة محاربة الإرهاب من يد نظامي دمشق وطهران، فمع اقتراب الإعلان عن الانتصار على داعش أتوقع أن رأس النظام يرتعش خوفا وهذه المعطيات ليست مبنية على استنتاجات فقط، وإنما على تسريبات من دوائر مقربة من النظام تفيد بأن الأسد الابن يعيش مرحلة من التوتر لم يسبق لها مثيل منذ اندلاع الثورة السورية، ولهذا التوتر مدلولاته السياسية التي تعكس رغبة الروس في إنهاء الصراع مع الإرهاب بالاتفاق مع الأمريكيين والغرب والأهم بالاتفاق مع تركيا (أردوغان)، فالصمت التركي حيال ما يحدث من قصف عشوائي على إدلب لا أراه يصب في خانة التخاذل الأردوغاني، كما يظن البعض بل هو تكتيك متفق عليه مع الغرب والروس مفاده بأن القضاء على الإرهاب سيعني بالنتيجة القضاء على نظام الأسد وربما هذا ما يثير ذعر الأخير ويجعله متوترا وقلقا طيلة الوقت، وأنا هنا لا أبرر موقف أردوغان على الإطلاق –كما قد يفهم البعض- وإنما أحاول تفسير الموقف العام، فصمت "أردوغان" بعد الهجوم الذي شنه عليه الأسد ووصفه بأنه أجير صغير سيكون جبنا بالتأكيد، ولكني أرى أن لهذا الصمت مبررات غير الجبن والتقاعس إنه الاتفاق على إعلان انتهاء الحرب ضد الإرهاب وسحب الورقة الرئيسية من يد النظام وإيران في آن معاً.

يوجد في إدلب نحو أربعة ملايين نسمة جميعهم من غلاة المعارضين للنظام، وهم بالكامل من الطائفية السنية تقريبا وبقاؤهم محاصرون أو في عهدة الأتراك يعني سكب المزيد من النجاحات في كأس النظام الذي يسعى –كما بات واضحا للجميع– إلى تحقيق تغيير ديموغرافي تجعل نسبة الأقليات مساوية لنسبة السنة، إن لم تكن النسبة أقل، فبحساب بسيط لأعداد المهجرين اللاجئين يتبين معنا الحجم الكبير للتغير الديموغرافي الحاصل في سوريا منذ اندلاع الثورة، ففي تركيا نحو 3 مليون وفي لبنان مليون ونصف المليون على أقل تقدير ومثلهم في الأردن ونحو 500 ألف في مصر وما يزيد عن المليونين في أوربا وباقي دول الشتات عم من السنة في غالبيتهم العظمى وبذلك يصبح عدد السنة خارج البلاد نحو ثمانية ملايين ونصف، فإذا أضفنا إليهم أعداد السنة المقيمين في إدلب (نحو 4 مليون) يفوق العدد الـ 12 مليون من أصل 23 مليون نسمة عدد سكان سوريا قبل الثورة يضاف إليهم أعداد الشهداء الذي لا يقل عن مليون.

ما يجري في إدلب من قصف يطال المدنيين في غالبيته العظمى يعتبر جريمة حرب لا ينبغي السكوت عنها والنظام يستشرس في قصفه لتحقيق هدف واحد، وهو إرغام السكان على النزوح باتجاه الأراضي التركية ونسيانهم هناك مع الذي حصلوا على الجنسية التركية، فمقصد النظام ليس القضاء على القوى الإرهابية، وإنما إرهاب الناس ودفعهم لهجرة جديدة.

*معارض وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(214)    هل أعجبتك المقالة (225)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي