بعد إعلان عن موته لست مرات يعود الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى الحياة ليعلن سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وذلك نزولا عند رغبة شريحة واسعة من الشعب الجزائري الذي نزل إلى الساحات العامة والشوارع معلنا رفضه لترشيح بوتفليقة مرة جديدة لتولي منصب رئيس الجمهورية في البلاد.
ولعل كثيرا من الجزائريين كان يرفض هذا الترشيح لأسباب واضحة منها مرض الرئيس وعدم قدرته على الاستمرار في الحكم، مع العلم آن له مكانة خاصة عند الجزائريين لكونه أحد أبطال حرب التحرير ضد فرنسا، ولكن ذلك لا يعني قبولهم بربع رئيس أو بظل رئيس يسمح للآخرين بنهب الجزائر من خلفه وباسمه.
وأيا يكن فإن "بوتفليقة" هو أول رئيس عربي ينزل عند رغبة شعبه وينصاع لإرادة المتظاهرين، فيعلن سحبه لترشيحه لمنصب الرئاسة وهذه سابقة تسجل للرئيس، غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فسحب بوتفليقة لترشيحه نزولا عند رغبة شعبه يمنح الثقة لباقي الشعوب العربية بأن الحلم في التغيير ممكن وأن إرادتها يمكن أن تنجز المطلوب إن توحدت هذه الإرادة وتلمست طريقها بشكل واع ومدروس، كما أنها درس مخيف لزملاء بوتفليقة من الحكام العرب عليهم أن يتعلموا منه أمرين أساسيين، أولهما أن إرادة الشعوب تنتصر فعلا وثانيهما الموقف الأخلاقي الذي يتحتم على الزعيم التخلي عن منصبه بدلا من العناد الذي سيدخل بلاده حتما في أتون حرب تأتي على الأخضر واليابس وتدمر الاقتصاد وتقتل العباد وتنتهي إلى ما انتهى إليه الأمر في سوريا من أوضاع إنسانية كارثية سواء للباقين في الداخل أو اللاجئين والمغتربين في بلاد الله الواسعة.
كما أن انتفاضة الشعب الجزائري درس في الأمل تكمن قيمته وأهميته في التأكيد على أن الشعب حين يصر على أمر ما، فإنه لا بد وأن يتحقق فجرعة الأمل تلك تعني الكثير عند أشقائنا في السودان، وعليهم الاتكاء إلى عبرها وقيمها واستلهام الحلم في تحقيق التغيير ونيل الحرية كما انه درس في الأمل لكل السوريين الذين لا شك في أن اليأس قد تملك الكثيرين منهم نتيجة المأزق المسدود الذي وصلت إليه ثورتنا وتوقف العمل الثوري بسبب النجاحات العسكرية التي حققها النظام على الأرض وبسبب النجاح السياسي أيضا، فالكل يدرك أن محاولات بعض الدول العربية في إعادة تدوير النظام وعودته للحضن العربي مع تأييد دولي لتلك الخطوات غير أن انتفاضة أهلنا الجديدة في درعا تؤكد على أن الأمل لم يندثر وما زال في الروح بقية يمكن التقاطها والعمل عليها لتحويلها إلى شعلة ثورية جديدة تقطع كل صلة بالماضي الثوري الفاشل وتتكئ على ما تحقق من نجاحات وتستفيد من عبر الماضي وهنا تكمن أهمية الدرس الجزائري في عودة الروج إلى النفوس التي نالها التعب واليأس.
ولكن لا بد من إيراد تنبيه له أهميته في هذا السياق يدعوني شخصيا إلى عدم الإفراط بالتفاؤل حيال ما حدث في الجزائر، إذ ينبغي ألا تفوتنا مسألة تأجيل الانتخابات الجزائرية والتي أعلنها الرئيس بوتفيلقة بالتزامن مع إعلان سحب ترشيحه لولاية خامسة، فلربما يكون الأمر برمته مصيدة لإنهاء انتفاضة الجزائريين ويبقى قرار تأجيل الانتخابات ساري المفعول حتى وفاة بوتفليقة سواء أكانت هذه الوفاة قريبة أم بعيدة، إذ إن المقصود هنا ليس الوفاة بحد ذاتها وإنما التلاعب على إرادة الشعوب والالتفاف على مطالبها فيكون بوتفليقة قد مدد رئاسته حتى وفاته ما يعني أن تفقد حركة الشعب الجزائري زخمها وقميتها النضالية ويكون التمديد لبوتفليقة بديلا عن العهدة الخامسة، الأمر الذي يعني إرهاصا جديدا للشعوب العربية وفوزا آخرا للحكام العرب وتأكيدا على أنهم يفعلون بشعوبهم ما يريدون ولكن بطرق شتى وأساليب مختلفة.
لا أريد أن أبث جرعة من اليأس عبر هذا التحذير، ولكني أقول إنه جائز، وقد يحدث وهذا ما يجب على الجزائريين التنبه له ومواصلة انتفاضتهم حتى يتم تحديد موعد للانتخابات الجديدة، فلا يكون التأجيل غامضا ومبهما ومفتوحا إلى ما لانهاية.
*كاتب ومعارض سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية