ثماني سنوات بكل ما حدث فيها من كوارث جاءت على كل شيء في سوريا، لم تكن كفيلة بأن يغير النظام من عقليته الثأرية الانتقامية مع من تبقى من الشعب في تأكيد على مقولة أنا أو الخراب.
بالأمس القريب، أعاد النظام نصب تمثال حافظ الأسد الذي أسقط في 27 آذار 2011 وقتل في سبيل الوصول إليه وهدمه نحو 15 شابا، وسبق له أن أعاد تماثيله، تماثيل الأسد الأب، إلى دير الزور التي تتناهبها الدول من كل حدب وصوب، وكذلك حماة وغيرها، الأمر الذي استفز الأهالي في منطقة درعا البلد فخرجوا بمظاهرة رافضة لوجود التمثال بل وحملت من الشعارات ما هو أبعد مذكرة بالهتافات الأولى للثورة.
والحقيقة لا أعلم أي مصلحة للنظام في إعادة تمثال يعي النظام نفسه أنه مستفز للناس وأنه قد يربك المشهد في ساحة قابلة للتحرك، ناهيك عن أن فكرة نصب أصنام الرؤساء لم تعد نهجا موجودا لا في الدول المتقدمة ولا في الدول المتخلفة.
شكلت مظاهرة درعا البلد ومن ثم خروج مظاهرة أخرى ليلية في "طفس" تحمل المضامين نفسها، شكلت حالة من الاستغراب على اعتبار أن المنطقة واقعة تحت سيطرة النظام لدرجة أن البعض راح يشكك بمن خرج بها ويتهمه بالعمالة للنظام، وهنا لست بوارد الرد على اتهامات لا تستحق الرد، إلا أن ما لا بد الإشارة إليه وجوب عدم ترك أي حراك ثوري من دون توظيفه بما يخدم الحالة السورية كلها، التي وصلت ومنذ وقت طويل إلى مرحلة تحتم على الجميع العمل بما ينقذ ما تبقى من سوريا، ضمن تشكيلات سياسة جامعة، تعيد إحياء الفعل السياسي، وربما لا ضير إن بنيت على ما هو قائم من قوى سياسية مع إعادة هيكلة أو اندماج، فما هو أهم إعادة الفعل السياسي المعارض إلى الحياة، أما الاكتفاء بالحديث العاطفي وبمنشورات "فيسبوك" وتدبيج المقالات، فهو مجرد تكرار واجترار لتجربة لم تؤت ثمارها كما يجب لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، وما تكرارها والتعاطي معها بالطريقة نفسها إلا تقليد غير إرادي لآليات تفكير النظام التي لم تتغير منذ أحداث حماة، وهنا لا أقصد درعا فحسب، بل الساحة السورية كلها، ابتداء من دمشق وصولا إلى إدلب ودير الزور.
إن كان النظام على استعداد ان يمزق سوريا أكثر مما هي ممزقة في سبيل الحفاظ على الكرسي، فعلى المعارضة أن تسعى لاستعادة بعض القدرة على الفعل بأدوات تتناسب مع المتغيرات التي حصلت في الملف السوري، وهذا الأمر وإن كان يقع على عاتق الجميع، فإن الطبقة السياسية أو من امتهن السياسة خلال السنوات الماضية أولى بامتلاك زمام المبادرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية