أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فكاهات سوداء.. ماهر شرف الدين*

صورة نشرتها وزارة الكهرباء متهمةً أحد الطيور الجارحة بقطع التيار

للتصريح الفكاهيّ الذي أدلى به مدير كهرباء طرطوس عن أنَّ لصوصاً يستغلُّون انقطاع الكهرباء الطويل لسرقة الكابلات، ما يوازيه -بصرياً- في صورةٍ نشرها أحد السوريين لكابلات كهربائية تحوَّلت، بسبب انقطاع الكهرباء الدائم، إلى حبالٍ لنشر الغسيل.

والحقّ أن هذا الانقطاع، الذي اتَّخذ مُسمَّىً أكثر نعومة هو "التقنين"، صنعَ إلى جانب بقية المأساة المعيشية في سوريا، من فقدان مواد حيوية كالغاز والمازوت وانهيار الليرة واستعراضات طبقة أثرياء الحرب، ملهاةً كاملةً.

وما كان لهذه الملهاة السوداء أن تُتمَّ فصولها لولا الطريقة التي حاول بها النظام التصدّي لها. حيث حاول بعض كبار الفاسدين استعراض غيرتهم الوطنية بتمثيليات مكشوفة، تحوَّلت لفرط انكشافها إلى مادَّة للسخرية والهزل.

وقد لفتَ انتباهي، من بين تلك القصص الكثيرة، ما رواه أحد المحامين على صفحته من قيام معاون وزير العدل بتفتيش مكاتب القضاة في قصر العدل بالمزَّة ومصادرة أجهزة التدفئة البسيطة منهم، مع تقريعهم وتوجيه الإهانات لهم بحضور الشرطة!! وقد برَّر هؤلاء القضاة مسألة وجود تلك "الدفَّايات" في مكاتبهم بضرورة عدم ظهورهم في المحكمة بمظهر الكائنات المتجمّدة بما يمسّ بهيبة القضاة والقضاء أمام الناس (وكأنَّ للقضاء في بلادنا هيبةً فعلاً).

ولم يكد معاون وزير العدل يكمل جولته، التي كان من أبرز نتائجها أنه للمرَّة الأولى في التاريخ سيكون حجم ارتعاش القاضي في المحكمة (بسبب البرد) أكبر من حجم ارتعاش المتهم (بسبب الخوف)، حتى فاحت رائحة فضيحة موازنة الضيافة للسادة الوزراء -والذين منهم وزير العدل ومعاونه- والتي بلغت حوالى نصف مليار ليرة سورية ثمناً للقهوة والحلويات في ميزانية سنة 2019!

وبإلهامٍ من جولة معاون الوزير، اندفع عضو مجلس الشعب فارس الشهابي ليشير بالاسم إلى أحد كبار المهرّبين في سوريا، فإذا بمقابلته المقرَّرة مع "الإخبارية" يتمّ إلغاؤها دون تقديم أي سبب!

ولأنَّ إعلاميي النظام أخذوا درساً حاسماً مما حدث لوسام الطير (مؤسّس أكبر منصَّة على شبكات التواصل الاجتماعي لدعم نظام الأسد) حيث لا يزال مجهول المصير في فرع المخابرات الجوية بدمشق بسبب إجرائه استطلاع رأي حول أزمة الوقود، اكتفى شادي حلوة بحصَّةٍ صغيرةٍ من كرنفال البطولة تتلخَّص في الاحتجاج على نشر الإعلام لصورة رجل مسنّ وهو مكبَّل بالأصفاد بعدما قبضت عليه دورية شرطة الجميليَّة في حلب بتهمة محاولته بيع 5 ربطات من "الخبز التمويني"! قبل أن يتمّ تقديمه إلى القضاء أصولاً.

وبين وصلات التهريج هذه، أصدر "المصرف المركزي" بياناً يدعو فيه المواطنين لاستبدال "العملة الورقية المهترئة"! وكأنما "المصرف" أراد مساعدة هؤلاء المواطنين على تزجية الوقت بالنكات في ظلّ انقطاع الكهرباء المستمرّ.

البارحة، مات السوري أسامة عزَّام، بطل العالم في الكاراتيه، مختنقاً بالغاز الذي استعمله للتدفئة في شقَّته بعد فقدان مادَّة المازوت! رياضيٌّ متوَّج بالذهب يموت اختناقاً بالغاز والفقر في بلدٍ كان اللقب المفضَّل لدى دكتاتوره: "راعي الرياضة والرياضيين"!

***

وهكذا أُحيلَ على القضاء الرجل المتهم ببيع القليل من الخبز، ليقوم بمحاكمته القضاة المتجمّدون من شدَّة البرد.

*من كتاب "زمان الوصل"
(258)    هل أعجبتك المقالة (227)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي