كانت صورة قاتلة تلك التي التقطها المراسل لعناصر من تنظيم "الدولة" في مدينة الرقة وأرسلها لوكالته وهو في قمة الذعر، وفي المكتب البعيد عن الخطر كان فريق العمل بكامل سعادته المهنية، وسارع رئيس التحرير إلى نشر الصورة مباشرة وبعنوان عريض على أنها إنجاز لم يسبقه إليه أحد من أقرانه.
أما النتيجة الفاجعة فكانت طلقة في رأس المراسل ضمن أحد إصدارات التنظيم مع مقدمة دينية شاعرية عن "الخونة والخوارج وعملاء الأمريكان والنظام"، وأما عائلة القتيل فلم تبقها على قيد التخمة الورقة الخضراء من فئة الـ 100 دولار التي كانت مكافاة الصورة القاتلة.
مات كثيرون في السنوات المجنونة التي مرت بنية حسنة أم سيئة، بدافع حقيقي وطني أم مادي بحت، ولكن ما هو مؤكد أن كثرا هم أيضاً من جنوا مالاً كثيراً على حساب الدم، ووجدوا فيه فائضاً لتحقيق فائض بنكي، وهؤلاء هم من رسموا صورة الضحايا كما شاءت مخططاتهم وليست تلك الأشلاء الموزعة بين الأرض والسماء.
في مشهد أكثر فظاعة تروي شقيقة أحد المعتقلين أن فيلم (العودة إلى حمص) كان سبباً في مصرع أخيها في سجن "صيدنايا"، وأن وجوهاً كثيرة هربت من كاميرا طلال ديركي التي التقطت تفاصيلها في أحد المشافي الميدانية، وهذا وجه آخر للصورة التي لعبت ببراءة أو من دونها دور المخبر والقاتل.
في فيلم (عن الآباء والأبناء) لطلال ديركي تتشكل صور وحشية عن عمد لمدينة تحت النار، وصورة أخرى لبشر أرادوا أن يظهروا في الصورة على أنهم ضحايا فصاروا وحوشاً وقتلة، وأما الأكثر إيلاماً فهو ما نقله لاجئ سوري على أن الفيلم عرض في الدنمارك تحت عنوان (أبناء المسلمين) ليدفع إلى مزيد من حملات الدعوة إلى إبعاد اللاجئين إلى جزيرة الشؤم التي ينفى إليها القتلة وتجار المخدرات.
نفس الحرب التي لم تخمد بعد صنعت مجداً لمن كان يعتقد أن لا حظّ له سوى في مصادفات الحياة، وعندما أعطته ما لم يكن يتوقعه في أكثر أحلامه تفاؤلاً بات يمارس سادية الضحية، وهذا حال الناشطين وأصحاب أنصاف الموهبة الذين أتقنوا الصراخ من منبر لآخر، أو أن من يملك المال أراد أن يأتي بمن يؤمر فيطيع دون اعتراض، وهكذا صار لدينا جيش من الإعلاميين الذين لديهم استعداد لممارسة فاشية ثورية لا مهنية.
لغة جديدة لم تتغير منذ الأيام الأولى للسنوات السبع من هدوئها وهتافاتها وحتى اندلاع الرصاص، ولم تفلح حتى اللحظة كل الانتكاسات في تغيير مفردة واحدة مما تعلمه هؤلاء الفاشيون في أن الثورة ليست أكاديمية إعلامية، وأن الثورة لا تعطي دروساً في الإعلام والخطاب إنما قد تكون محفزاً على التجديد، واليوم ما كانوا ينادون بتغييره وتجديده يمارسون من مواقعهم الجديدة ما هو أشد رداءة وبؤساً.
يصطف هؤلاء اليوم كما لو أنهم سدنة المهنة، وأما حربهم فهي مع هؤلاء الذين يعتقدون أنهم الأجدر بالناصية، وفي خلواتهم يتشدقون بعبارات التشفي..هي صورتنا التي نحن عليها بين صورة قاتلة وإعلام يتشفى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية