أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الغطاء القانوني لجرائم الأسد على الصعيدين المحلي والدولي1/4*

من ريف إدلب - جيتي

أنا هو الدولة..
مقولة "لويس الرابع عشر" تلك التي يتجلّى فيها حاكم الدولة بصورة الحاكم بأمر الله، وظلّ الله على الأرض، يصيبُ ولايخطئ، وإن أخطأ فخطؤه مُبرر.

وكأيّ حاكم مستبدّ اتخذ حافظ الأسد تلك المقولة شعاراً له، إثر الانقلاب الذي أوصله لحكم سورية.

وبما أن المعارضة تعتبر كفرا بالنسبة للحاكم المستبد والديمقراطية من ألدّ أعدائه، فقد عمدَ الأسد الأب ومن بعده الابن إلى السيطرة على مفاصل الدولة وتشديد الرقابة على الحريات بغيةَ إنهاء ما كان سائداً من حَراكٍ ديمقراطي في سورية، وذلك بالتنكيل بمعارضيه والتخلّص منهم من خلال تأسيس منظومةٍ قانونيةٍ تحقق له هذا الهدف، وتضمن له بذات الوقت التنصل من المساءلة والعقاب.

ولهذا فإنني سوف أستعرض الغطاء القانوني المحلي (الداخلي) لجرائم النظام ضمن السياق السابق.

ثمّ استعرض في سياقٍ آخر كيف وفّر المجتمع الدولي عبر آلياتٍ قانونية الغطاء القانوني لجرائم النظام، وحالَ دون إدانته ومساءلته.


أولاً- الغطاء القانوني المحلي لجرائم النظام السوري.
أ - كيف تخلّص النظام من معارضيه؟
دأبَ نظام الأسد الأب منذ استيلائه على الحكم، إثرانقلاب عام1970، ومن بعده الابن وحتى يومنا على التخلص من خصومه السياسيين، وذلك عبر سنِّ قوانين خاصة الغاية منها التخلص من خصومه ومعارضيه.
وبما أن حزب البعث هو "القائد للدولة والمجتمع"، فإنه يستطيع أن يملي على السلطة التشريعية أن تسنّ قوانين توافق مصلحة النظام وتكون الغاية منها تجربم كل معارض سياسي له، بنص قانوني يضمن ملاحقته ومعاقبته وبالتالي إزالته من ساحة المعارضة.
كما أنها تشكل ما يسمى غطاءً قانونياً لنهج التخلص من المعارضين، فيصبح معارضو الرأي مجرمين ملاحقين بحكم القانون، ويتذرع النظام في ملاحقتهم بنصوص القانون.
وفي السلة القضائية السورية الحالية، هناك ثلاثة أنواعٍ من المحاكم التي أنشأها النظام السوري بموجب قوانين خاصة بغايةِ التخلص من معارضيه السياسيين.


أولاً - محكمة الإرهاب
أُنشئت بموجب القانون رقم 22 لعام 2012 بعد انطلاق الثورة السورية، وتعد من القضاء الاستثنائي ويتمّ تعيين أعضائها من قبل رئيس الجمهورية، وتعد سلطات هذه المحكمة مطلقة بحيث تطال محتاكمة العسكريين والمدنيين معاً، على خلاف الأصول القانونية.


والمتفحّص ُ لقانون إحداث هذه المحكمة يتضح له غاية وخطورة هذا النوع من المحاكم منَ النواحي الآتية:
1-إنّ الأحكام الغيابية الصّادرة عن محكمة الإرهاب تُعتبر أحكاماً قطعية مبرمة، وعليه فلو تمّ إلقاء القبض على المحكوم عليه غيابيا بحكم الإعدام فسوف يُنفّذ بحقه، بخلاف الأحكام الغيابية في كل دول العالم، والتي تُعتبر لاغية بمجرد إلقاء القبض على المحكوم عليه، وبخلاف قانوني العقوبات السوري العام وأصول المحاكمات الجزائية، الأمر الذي يبرهن على هدف النظام استهداف نوع معين من الناس.
وهناك شرط ٌغريبٌ جداً في قانون إنشاء هذه المحاكم لا يمكن أن يتحقق في الواقع العملي وهو: تعليق إعادة محاكمة المحكوم غيابياً على تسليم نفسه طواعيةً للمحكمة، إذ كيف سيعلم المحكوم؟
إنّ حكما غيابيا سبق وصدر بحقه عن محكمة الإرهاب التي من صلاحياتها إصدار أحكام غيابية بالحد الأقصى للعقوبة بناءً على مجرّد تقريرٍ أمني قد يكون محض افتراءٍ من حاقدٍ.
إنّ هذا التعامل أدّى في واقع الحال إلى إصدار آلاف الأحكام الغيابية بحق أشخاص لمجرد ورود أسمائهم في اعتراف انتزع تحت التعذيب من متهم ما.


2- إنّ المتهم هنا لا يتمتع بالضمانات الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي تكفل له محاكمة عادلة، ومن تطبيقات ذلك عملياً اعتماد الاعترافات الواردة في ضبط المخابرات والجهات الأمنية دليلاً كاملاً للحكم بإدانة المتهم، ولا يخفى على أحد كيف تنتزع الاعترافات لدى فروع المخابرات السورية.


3- وربما يقول قائل إنّ محكمة الإرهاب يقتصر اختصاصها على محاكمة الإرهابيين والمسلحين فقط، فنقول إنهُ ثبتَ من التطبيق العملي خلال السنوات الست التي انقضت على إحداث محاكم الإرهاب، أنّ المعتقلين بجرائم السلاح يُحالونَ للمحاكمة أمام المحاكم الميدانية العسكرية، وبالتالي فإنّ الأغلبية الساحقة من المتهمين المحالين للمحاكمة أمام محاكم الإرهاب ليسوا سوى معتقلي رأي ونشطاء وإعلاميين ومتطوعين إغاثيين، كأصحاب الخوذ البيضاء الذين يعتبرهم النظام وقوانينه إرهابيين.


4- إن قانون مكافحة الإرهاب الذي تطبقه محكمة الإرهاب عبارة عن مجموعة نصوص عامة ومجملة ومطاطة تقبل التفسير الواسع من قبل المحكمة بحيث لا يمكن أن يفلت منها أيّ متهم يُحال إليها.


5- إنّ أحكام محكمة الإرهاب موغلة في الشّدّة بشكل يعتبرها المرء تنكيلية، ويكفي لبيان ذلك أن نذكر أنّ عقوبة مجرد من يهدّد الحكومة شفوياً بعمل إرهابي هي الأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً.


ولذلك فإن المحالين لهذه المحكمة يقدّرون بمئات الآلاف.


ثانياً -محاكم الميدان العسكرية
أُحدثت بالمرسوم 109 لعام 1968 إبانَ نكسة حزيران عام 1967
ولقد اختصت بمحاكمة الجنود الفارّين من ساحة المعركة مع العدو أو الخونة المنضمّين لصفوف العدو وهي كمحاكم الإرهاب لا تتقيد بالأصول والإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية،وأحكامها مبرمةٌ لا تقبل الطعن، وتحاكم العسكريين فقط.


لكنّ حافظ الأسد، وفي سبيل التخلص من معارضيه والاستفراد بالحكم المطلق للبلاد، أراد أن تشمل كل السوريين عسكريين ومدنيين، وخصوصاً بعد قيام أحداث "الاخوان المسلمينط الذين برزوا كخصومٍ سياسيين، فاستغلّ الفرصة، وأصدر المرسوم 32 لعام 1980، الذي أضاف على نهاية الفقرة (ب) عبارة (والسياسيين في سجن تدمر العسكري).


ثالثاً -المحاكم الأمنية الخاصة
وهي محاكم سرية بامتياز، وتعتبر من أكثر أنواع المحاكم وحشيةً.


والجدير ذكره أنها خلاف باقٍ أنواع المحاكم، ليس لها قانون ينظم عملها، ويحدد اختصاصها.


تُعقد هذه المحاكم داخل مقرات الفروع الأمنية بعضوية ضباط المخابرات، كما يتم تنفيذ الحكم داخل الفرع، دون إحالةٍ إلى القضاء.


وما ينبغي ذكره أن هذا النوع من المحاكم عاد للعمل بكثرة وشراسة عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 وفقاً لصلاحياتٍ عقابيةٍ أشدَّ من ذي قبل، ولا أدلَّ على ذلك إلّا آلافِ عمليات القتل تحت التعذيب في فروع الأمن وأماكن الاعتقال الأخرى السّرّيّة.


وما الصّور التي نشرها المصوّر العسكريّ المنشقّ "قيصر" إلا دليل على ذلك.


بهذا الشكل سخّر النظام السوري المستبد ما يشاء من القوانين في سبيل التخلص من معارضيه السياسيين توطيداً لحكمه المطلق على مدار نصف قرن.

*سليمان النحيلي - من كتاب "زمان الوصل"
(133)    هل أعجبتك المقالة (142)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي