أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عن طلال ديركي الذي ظلم نفسه.. حسين الزعبي*

ديركي

ضجيج واسع أثاره فيلم "آباء وأبناء" للمخرج السوري طلال ديركي حتى ذهب البعض إلى تخوينه واتهامه بمحاولة الصعود ‏على عذابات السوريين بغية الوصول إلى العالمية التي يرون أن العزف على وتر الإرهاب أحد مداخلها.

ولأننا لم نشق على صدر الرجل لنطلع على دوافعه الذاتية لإنجاز هذا العمل لا بد من التعامل مع المنتج كمنتج بعيدا عن ‏إطلاق أحكام التخوين.‏
يُسجل لديركي أن ما قام به غير مسبوق بالحالة السورية، مثلما يسجل له شجاعته في خوض غمار تجربة الخطأ فيها يعني ‏القتل ولا شيء غيره، ناهيك عن الشجاعة "الجسدية" والاقتراب من الألغام ونقاط الرباط.‏

نجح طلال ديركي في معظم أوقات الفيلم، فنيا، في توظيف اللقطات بما يخدم الفكرة التي يريد إيصالها سواء اتفقنا معها أم ‏اختلفنا، وهذه تصب في صالحه فنيا وإن كنت لست خبيرا بهذا الشأن ولكن أتحدث كمشاهد، إلا أن هذا ليس كل شيء، إذ ‏أعلن ومنذ الثواني الأولى للفيلم أنه سيتحدث عن "مقاطعة" إدلب وعن "السلفية الجهادية" بطريقة تكشف وبشكل صارخ موقفا ‏شخصيا مسبقا ولم يترك للمتلقي فرصة الحكم على ما سيشاهد وفي هذا ايضاً إبطال لحالة الرمزية التي رآها البعض في ‏العمل.‏

أما مقاطعة إدلب، فلم نشاهد منها شيئا ولا حتى البلدة التي في ريفها، بل أخذنا وبطريقة مباشرة إلى منزل عربي ريفي ولم ‏يخرج منه، إلا قليلا، مسقطا بذلك عامل الجغرافية الذي أعلنه بصوته، وكأن هذه العائلة بكبارها وأطفالها مرآة مجتمعية لكل ‏إدلب، ومن حيث أراد أن يؤكد ذلك وقع في المطب، ففي أحد المشاهد تتحرك على أحد الطرقات مجموعة من الأطفال ‏باللباس الميداني "اللباس العسكري للنصرة" وفي الطريق يمر فتيان يرتديان لباسا عاديا ويبدو أنهما في طريق العودة من ‏المدرسة من دون أن يكترثا بأطفال "النصرة"، هذه اللقطة ذاتها تلزم ديركي - أو هكذا كان يفترض- بالإشارة إلى أنه في هذه ‏البقعة الجغرافية التي اجتزأها من الكوكب يوجد أناس ليسوا من "النصرة"، وربما على النقيض منها، ولعل الكثير من الحقائق ‏دللت وما زالت تدلل على هذا الأمر ابتداء من الصراعات العسكرية مع "النصرة" إلى الرفض المجتمعي لها في كثير من ‏الأماكن وعبر فترات زمنية مختلفة، وصولا إلى اعتقالات "النصرة" لمناهضيها، هذا إن لم نقل اغتيالات.‏

قد لا يكون السياق الزمني مهما في مسلسل "بيئة" أو "بدوي" أو فيلم "خيال علمي" لكنه، برأيي، واجب الوجود في عمل ‏قدمه صاحبه على أنه عمل سياسي، وهذا ما لم نجده في العمل سواء لجهة مصطلح "السلفية الجهادية" أو لجهة "مقاطعة ‏إدلب".‏

يتبقى من وجهة نظري مسألة ثالثة ولا إجابة لدي عليها، هل يجوز من ضمن قواعد المهنة، فلكل مهنة ضوابطها المتعارف ‏عليها، هل يجوز إنجاز فيلم عن عائلة من دون موافقتها، أعلم أن "النصرة" كانت سترفض ما لم يكن الفيلم خادما لتوجهاتها، ‏ولكن عن قواعد المهنة أسأل.

أخيرا، أرسلت برابط الفيلم إلى أحد الأشخاص الذين عايشوا "النصرة" في واحدة من أهم حواضن الثورة السورية ليعطيني ‏رأيه، وبعد معاناة مع النت في الداخل السوري شاهد قسما منه وأرسل لي هذه الجملة: "يا رجل نزعوا الثورة وقرفونا ياها".. ‏أعتقد أنه يتحدث عن "النصرة" وليس عن طلال ديركي الذي كان بإمكانه أن يقدم أكثر مما كان ولكنه ظلم نفسه قبل غيره.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(221)    هل أعجبتك المقالة (256)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي