روت ربة أسرة سورية موجودة في "المملكة المغربية" فصولا من قصة لجوئها، التي تكثف صورة "التغريبة السورية" وترسخ أبعادها المأساوية، لاسيما في البلدان التي لا يستطيع فيها السوري الحصول على إقامة أو على فرصة عمل، ما يجعله في مهب الريح، حقيقة لا مجازا.
السورية "زهرة محمد" التي تتكون عائلتها من 3 أطفال، أكبرهم فتاة تعاني مشكلة صحية خطيرة، قالت لـ"زمان الوصل" إن حالتها في "المغرب" باتت على شفا حفرة من الانهيار، بسبب تعقد وضعها ووضع أسرتها في ظل اقتراب موعد انقضاء صلاحية جوازات السفر، ما يرتب على هذه العائلة عواقب وخيمة، أقلها عدم قدرتها على إجراء أي معاملات أو مراجعة أي دوائر، بما في ذلك العجز عن تجديد عقد إيجار الشقة المتواضعة التي تقطن فيها، بل وحتى عدم المقدرة على استلام "المساعدة" المالية التي تأتيها من طرف مفوضية اللاجئين.
وأبانت "محمد" التي درست الصحافة وحاولت العمل في ميدانها عبر التعاون مع أكثر من وسيلة تابعة للثورة، أن أوضاع السوريين في المغرب معقدة للغاية، حيث يصعب إلى حد الاستحالة أحيانا أن يحصل السوري على وثيقة تخوله الإقامة نظاميا في البلاد، كما يصعب أكثر أن يجد عملا يقيه شر الحاجة، وعليه أن يتواءم مع هذا و"يدبر رأسه" طوعا أو كرها، وبالتالي فإن عليه أن يحل المعادلة المستحيلة التي يجسدها المثل السوري "صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكل لتشبع".
وقالت "محمد" إن اقتراب انتهاء صلاحية جوازات العائلة، وعدم حصولها على أوراق الإقامة، رغم المحاولات المتكررة، من شأنه أن يجعل حالهم أشبه بـ"المكتومين"، وربما المنبوذين الذين يتحاشى الكثير التعامل معهم، لأنهم لا يملكون الوثائق الصالحة التي تثبت هوياتهم، وعليه فإن الطريق التي كانت معبدة بالعراقيل، ستصبح طريقا مغلقة تقريبا، بعد نحو 5 سنوات ونيف من مكابدة الصعاب في "المغرب".
"محمد" التي وصلت إلى "المغرب" في خريف 2013 تهريبا عبر رحلة هامت فيها 5 أشهر تقريبا بين البلاد، وانتهت بمغافلة المهرب لهم وسلب ما حملته العائلة من متاع الدنيا، قالت إن البعد الأكبر في معاناتها يتمثل في حالة ابنتها الكبرى التي تعاني ضمورا في الدماغ، تحتاج معه إلى رعاية ومتابعة طبية عالية، قلما تحظى ولو بالقليل القليل منها، وهذا أمر مفهوم قياسا لظروف بلد كالمغرب، ينوء مواطنوه أنفسهم تحت وطأة مشاكل متعددة.
وبهذه المناسبة استذكرت "محمد" كيف حاول زوجها مرارا وتكرارا أن يحصل على عمل يعيل به أسرته، ويساهم بتغيير صورة "السوري المتسول" التي استوطنت عقول بعض المغاربة لكثرة الغجر (القرباط) الذين يتسولون تحت اسم السوريين.. ومع ذلك فإن الزوج لم يفلح في الحصول على عمل.
وفي إحدى المرات وبعد أن وصلت "لقمة" العمل إلى الفم، وظنت العائلة أن ربها سيعمل، بعد تكفل إحدى الجهات بتمويل مشروع لبيع المأكولات السورية، انتهى الحلم على أبواب الجهة التي يجب أن تعطي الترخيص، حيث قال المسؤول للرجل بما معناه: علاوة على أنك تقطن في البلد، تريد أن تعمل أيضا؟!، فأجابه: أليس العمل أشرف وأفضل لي من توسل المساعدات واستدرار شفقة الناس.. ولكن الجواب لم يغير من موقف المسؤول.
طبعا، "زهرة محمد" وأسرتها حاولوا طوال السنوات الماضية الخروج من عنق الزجاجة الذي حبسوا فيه، ولكن بلا جدوى، فقد حاولت "محمد" نفسها العبور من بوابة "مليلية" نحو أوروبا أكثر من مرة، ولكنها فشلت، بل إن ابنتها المريضة تعثرت وعلقت ابنتها الصغرى عند البوابة، وصار من الصعب عليها العبور أكثر، بعدما عرف المسؤولون هناك أنها تعمل صحافية، وتشتغل على نقل صوت وصورة اللاجئين والمهاجرين ومعاناتهم.
وفضلا عن ذلك طرقت العائلة أبواب برامج "إعادة التوطين"، لكنها لم تلق جوابا أو حلاً رغم وضعها الحرج ووضع ابنتها الخطر، ورغم أن من يشتغلون على ملفات اللاجئين يحاولون بين الفينة والأخرى التواصل معها لتقديم تجربتها بوصفها "اللاجئة السورية المكافحة".. ولكن عن أي "مكافحة" يتحدثون والنموذج الذي يستعرضونه يكاد ينهار، حسب قولها.
وأسهبت "محمد" في الحديث عن تفاصيل مؤلمة في حياتها، وحاجة ابنتها لتجهيزات خاصة وعناية فائقة، فضلا عن حاجتها للتدفئة حتى في عز الصيف، في بلد تعرفة الكهرباء فيه عالية، فيما لا تكاد المساعدة المالية الشهرية المدفوعة من قبل مفوضية اللاجئين تكفي ثمن حاجات بسيطة للفتاة المريضة، التي كانت تصدر أصواتا "غريبة" أثناء حديثنا مع أمها على الهاتف.. أصوات يعرفها من لديه أشخاص مصابون بضمور الدماغ.
وقالت "محمد" إن في الشعب المغربي فئات خيّرة وتحب المساعدة، ولكن السوري بطبعه يرفض أن يكون عالة على غيره ويبحث عن عمل دائما، وأمر العمل مرتبط بالحصول على إقامة، والحصول على الإقامة للسوري أمر في غاية الصعوبة والتعقيد.
وأبانت "محمد" أن العراقيل لا تقتصر على فرص العمل فحسب، بل إنها تصل إلى التعليم، حيث إن أبواب الجامعات المغربية موصدة في وجه السوري الذي ليس لديه إقامة، وهكذا يجد اللاجئ السوري نفسه بين فكي كماشة، فلا هو قادر أن ينتج في ميدان العمل ولا في ميدان العلم.
ووجهت "زهرة محمد" نداء عبر "زمان الوصل" إلى الجهات المعنية بملف اللاجئين بأن تنظر في وضعها ووضع من يماثلها من السوريين الموجودين على أرض المغرب، لاسيما ممن انتهت صلاحية أوراقهم السورية أو كادت، فهؤلاء في الواقع أصحاب أوضاع حرجة ينبغي التعامل معهم بعيدا عن البيروقراطية والروتين.
وختمت "محمد" مؤكدة أن الأسر السورية التي خسرت بعض أبنائها وممتلكاتها وحتى ذكرياتها، في سبيل التحرر من الظلم والخلاص من الطغيان، لا يجب أن يقف المجتمع الدولي متفرجا عليها وهي تخسر ما بقي لها، فالسوريون أشعلوا ثورة للحرية، وليسوا مسؤولين عن إشعال حروب الوكالة وتصفية الحسابات الدولية التي عمقت جراح المسحوقين وأثقلت كاهلهم.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية