أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وسط "سيل من الشتائم".. رئيس اتحاد كتاب النظام يقترف "سابقة" تاريخية، وإليكم التفاصيل

"نضال الصالح"... من أصر على خدمتهم هم من دبروا له مسرحية حجب الثقة وما رافقها من شتائم

وسط جو من الهرج والمرج، تخللته سيل اتهامات وشتائم، وجد رئيس اتحاد كتاب النظام (المسمى اتحاد الكتاب العرب) نفسه مضطرا للاستقالة من منصبه، محدثا بذلك ما يمكن وصفه بـ"سابقة تاريخية" في "مؤسسة" عرفت كغيرها من "المؤسسات" التي رعاها الأسد، بالشكلانية والتدجين وفرز "القيادات" بناء على الولاءات، ولم يكن لها من مهمة أولى من تلميع النظام وتجميل قبائحه.

فقد قدم رئيس اتحاد كتاب النظام "نضال الصالح" استقالته من منصبه، مبررا خطوته بأنه تأتي "تقديرا للظروف التي تعصف بالاتحاد، وحرصا على الاتحاد وعلى نفسي من أن تلحق بي إساءات جديدة".

وأقر "الصالح" في بيان استقالته بأنه تعرض خلال المؤتمر الأخير للاتحاد إلى "سباب وشتائم"، (وصلت إلى حد شتم أمه، كما علمت "زمان الوصل")، واصفا الانتقادات التي تعرض لها بأنها "اتهامات باطلة وزائفة".

ولم يستقل "الصالح" من رئاسة اتحاد الكتاب وحسب، بل استقال أيضا من عضوية المكتب التنفيذي وعضوية مجلس الاتحاد.
وعين النظام "الصالح" في منصبه قبل نحو 3 سنوات، وكان من المفترض أن تمتد ولايته حتى عام 2020، لكن الخرق كان على ما يبدو أكبر من الرقعة، كما سنبين في ثنايا هذا التقرير.
*تظهير
قبل الخوض في مسببات استقالة "الصالح" ودلالاتها، يجدر بنا أن نسلط الضوء سريعا على لقطات من سيرة هذا الشخص، الذي يتهمه أدباء سوريون، حتى قبل قيام الثورة، بأنه صاحب "خط جميل"، كناية عن التعبير المخابراتي والبعثي بحق من يمتهنون كتابة التقارير و"يبدعون" فيها.

ولد "الصالح" في حي باب المقام بحلب عام 1957، وتدرج في تعليمه حتى المرحلة الجامعية، منهيا إياها بنيل شهادة الدكتوراة، وخلال مسيرة حياته تولى عددا من المناصب والمهام ومنها: تدريس "النقد الأدبي" في جامعة دمشق، معاون وزير الثقافة، مدير معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وصولا إلى تسمنه رئاسة اتحاد كتاب النظام، ومنصب "مساعد الأمين العام للاتحاد العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب"، وقد بقي في المنصب الأخير حتى عام 2018.

عندما اندلعت الثورة السورية، اختار "الصالح" لنفسه مكانا متقدما بين المدافعين عن النظام والمنافحين عن جرائمه، والمهاجمين الشرسين للثورة ومن قاموا بها مستخدما أوصاف "التكفيريين والظلاميين والإرهابيين والوهابيين" المحببة لديه.

لم يكن موقف "الصالح" غريبا على من سبق وعرفوا حقيقته، بقدر ما كان تظهيرا لصورة حاول إخفاءها تحت ستار الثقافة والأدب، ومع ذلك أبى الرجل إلا أن يكشف أوراقه كلها، فسخر جل تصريحاته ومواقفه وكتاباته وجهوده خلال السنوات الأخيرة لدعم النظام، منافسا بذلك شبيحة المسيرات ومحللي "ما يطلبه الأمن" حتى تمت مكافأته بمنصب رئيس "اتحاد الكتب العرب"، الذي يبدو أنه كان حلما يراوده منذ ربع قرن (انتسب لاتحاد الكتاب قبل 27 عاما).

فعقب سيطرة النظام ومليشياته على كامل مدينته حلب، خرج "الصالح" ليقول بالحرف الواحد إن حلب: "تحررت من براثن الإرهابيين و الظلاميين والتكفيريين"، متهما من سماهم "عبيد الظلام" بتدمير حلب، ومعقبا: "عندما يخسر هؤلاء الإرهابيون والتكفيريون والظلاميون والوهابيون مدينة مثل حلب، هذا يعني أنهم سيغادرون سوريا إما محمولين بالباصات الخضر أو محمولين على نعوشهم".
بل إن "الصالح" ذهب حينها حد التحريض على إدلب كلها، "مبشرا" بأنها "ستلفظ هؤلاء الإرهابيين".
وإذا كان من حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد إجرام الأسد "إرهابيين" بنظر الرجل الذي ناهز عمره 62 عاما، فإن حملة القلم ممن لم يسلكوا مسلكه هم مجرد "مرتزقة" متلونين، يبيعون أقلامهم لمن يدفع.
*نفطه غير نفطهم
ففي صيف 2018 وخلال "محاضرة" له بالحسكة، قال "الصالح" إن هناك "مثقفين آخرين ارتضوا لأنفسهم أن يبيعوا ضمائرهم ويؤجروا أقلامهم و يرتزقوا بدماء الشهداء والضحايا من المدنيين والعسكريين".
وعيّر "الصالح" هؤلاء الذين يفترض أنهم "زملاء القلم" بالسفر إلى خارج سوريا، والاستقرار في "بلاد النفط"، متناسيا أنه قضى جزءا من عمره في إحدى بلاد النفط، وكان حتى فترة قريبة يمتدح تلك الحقبة من عمره ويفاخر بها، حين يتحدث عن ما قدمه من "إسهامات" أثناء استقراره وعمله في إحدى دول الخليج العربي.
ومضى "الصالح" في تلك "المحاضرة" مدليا بعبارات ربما يستحي من التفوه بها رعاع الشبيحة، حينما قال: "لولا حزب البعث العربي الاشتراكي، ولولا سوريا وقائدها المؤسس حافظ الأسد والذي أكمل بناءها السيد الرئيس بشار الأسد، لما كان أحد من هؤلاء الكتاب والأدباء والمثقفين المأجورين قد حصل على الشهادة الإعدادية لأنهم كانوا ينتمون إلى طبقات فقيرة، لاتمكنهم سويتهم الاقتصادية من إتمام دراستهم وبعضهم حصل على شهادات الدكتوراه من جامعات أوربية وغير أوربية"، وهنا مفارقة فاقعة أخرى، قد لا يعرفها إلا المطلعون على سيرة "الصالح" وهو أنه حصل على شهادة الثانوية عن طريق الدراسة "الحرة"، أي في المنزل وليس في أحد مدارس "الأسد" التي يقول إنه لولاها لما تخرج مثقف ولا كاتب.

بل إن الرجل الذي يعير حملة الشهادات من الجامعات الأوروبية (وكأنها تهمة ووصمة عار)، هو نفس الرجل الذي درس في جامعة لبنانية، يعلم معظم طلاب سوريا مدى انحدار مستواها وقبولها حتى لمن تلفظهم جامعات "الأسد"، بل إنه كان سيكمل فيها حتى ينال شهادة الفلسفة لولا استعار الحرب في لبنان.

*انقلاب
قدم "نضال الصالح" خدمات كثيرة في تلميع النظام، لاسيما خلال توليه رئاسة اتحاد الكتاب، ومن أهمها وأكبرها ما قام به مطلع 2018، حين نجح في عقد اجتماع "المكتب الدائم للاتّحاد العامّ للكتّاب والأدباء العرب"، بمشاركة وفود من 15 دولة عربيّة، ما عد أضخم حدث لـ"التطبيع الثقافي" مع نظام مجرم وقاتل، استدعى استنكار فئة غير قليلة من الكتاب والأدباء العرب، وتنديدهم بالمحسوبين على "الثقافة" العربية، ممن لبوا دعوة نظام تقطر يداه كل لحظة من دماء السوريين.

ورغم أن "اتحاد الكتاب" التابع للنظام بقي شبه حكر على الموالين والمطبلين، وأوصد أبوابه في وجه كثير من الكتاب والمثقفين السوريين الحقيقيين، ورغم وصول هذا الاحتكار إلى أقصى درجاته خلال الثورة، حيث تمايزت الصفوف، فإن "الصالح" وحزبه داخل الاتحاد لم يخجلوا من إدراج تحركات بعض الأعضاء للإطاحة به والمطالبة بحجب الثقة عنه، ضمن خانة "محاولة الانقلاب"، بل وصل هؤلاء إلى تخوين من وقعوا على بيان حجب الثقة عن "الصالح"، وشككوا بـ"وطنية" الموقعين، لمجرد اعتمادهم مصطلحات مستقاة من قاموس "المعارضة"!

المثير أكثر أن حفلة الشتائم والتخوين التي شهدها مؤتمر "اتحاد الكتاب"، كانت بحضور وزير الإعلام الأسبق "مهدي دخل الله" بوصفه رئيس "مكتب الإعداد والثقافة والإعلام" أي المسؤول الحزبي الأعلى عن جميع قطاعات الثقافة والإعلام في سوريا الأسد، والذي لم تمنع "هيبة" وجوده من تداول الشتائم ولا تحويل الاجتماع إلى "طوشة" حقيقية، كما لم تفلح كل لقاءاته التي سبقت المؤتمر في تطويق الخلاف أو منع "نشر الغسيل الوسخ"، كما جرت العادة، رغم "حساسية الظرف الذي تمر به سوريا"... العبارة الجاهزة لكبت أي نقد.

وعند هذا النقطة يتضح واحد من مؤشرات موضوع الاستقالة، والمتعلق أساسا بتقهقر "سلطة" حزب البعث على المؤسسات التابعة له، أسوة بتقهقر سلطة النظام نفسه، علما أن "البعث" -وككل "مؤسسات الدولة"- يملك الحصة المهيمنة في اتحاد الكتاب.

*غادة السمان
أما المؤشر الآخر فيكشف عنه كتاب رسمي صدر مطلع الشهر الحالي، أي قبل نحو 3 أسابيع من انعقاد مؤتمر "اتحاد الكتاب"، وفحواه قرار من وزير التعليم العالي في حكومة النظام يعاقب فيه "الصالح" بـ"عقوبة اللوم" مع "تأخير الترفيع لمدة 6 أشهر"، فضلا عن "حسم 10% من تعويض التفرغ الإضافي لمدة سنة كاملة".

ورغم أن قرار وزير التعليم العالي لم يتضمن مسوغات العقوبة، فقد قالت تسريبات أن سببها عائد لانتحال "الصالح" لقب الأستاذية (أستاذ دكتور)، وهو لقب غير مستحق له، لأنه مجرد "دكتور".

ويبدو هذا التسويغ مستبعدا، لاسيما في دولة الأسد التي بلغ الانفلات فيها مدى مرعبا، وبات مزورو الشهادات (وليس فقط منتحلو الألقاب) متغلغلين في مختلف الدوائر والمناصب، وما فضيحة حاملي شهادات الدكتوراة ببعيدة (للاستزادة اضغط هنا).

وإذا علمنا أن "اتحاد الكتاب العرب" كغيره ما هو إلا "مؤسسة" تدار بأوامر وتعليمات المخابرات، فإن الهجوم على "الصالح" لا يبدو أكثر من توجيه أمني حصل بغية تصفية حسابات بين مراكز القوى في مخابرات الأسد، لاسيما أن "الصالح" وكحال من سبقوه لم يكن ليصل إلى منصبه إلا بتزكية أمنية، بل وبطريقة فجة للغاية، حيث يقول البعض إنه هبط بـ"المظلة" على كرسي الرئاسة، رغم أن هناك من حاز على أصوات أعلى منه في "الانتخابات"!

وقد انكشف جزء مما حاول "الصالح" تغطيته ببيان استقالته، مع حديث الشاعرة السورية "غادا فؤاد السمان" (التي تتشابه في اسمها مع الكاتبة ذائعة الصيت غادة السمان)، حين قالت إن "الصالح" وعدها بإجراء حوار معها حول قضية استقالته لكنه تراجع لاحقا.

وقالت "السمان" إن رئيس اتحاد الكتاب المستقيل "اعتذر عن الحوار وفضل الاستسلام للصمت ولمشيئة المغرضين في إخراجه خارج الدائرة دون تسميتهم وفضح الاعيبهم ومكائدهم المشينة"، وفي هذا تدليل واضح على أن "الصالح" يعرف من دبروا له مسرحية حجب الثقة وما رافقها من شتائم وإهانات بحقه؛ ليتجرع من كأس نظام ومخابرات أدمن تقديسها والاعتكاف في محراب خدمتها.

زمان الوصل - خاص
(232)    هل أعجبتك المقالة (235)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي