أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوم حلمت بيروت بأنها... عاصمة عالمـيّة للكتاب!

من الدورة 51 من «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» عام 2007 (هيثم الموسوي)

زينب مرعي
في 23 نيسان (أبريل)، تسلّم وزير الثقافة اللبناني تمام سلام في باريس الشعلة من أمستردام لينقلها إلى بيروت، فتصبح بذلك «العاصمة العالميّة التاسعة للكتاب» وسيُطلق الحدث اليوم من قصر الأونيسكو لنعبر رسميّاً إلى «سنة الكتاب» التي تمتد حتى 23 نيسان 2010. يشرح المدير العام لوزارة الثقافة عمر حلبلب أسباب اختيار بيروت قائلاً: «منذ سنتين، أعدّت وزارة الثقافة وبلديّة بيروت ملفّاً قدّمته للأونيسكو لاعتماد بيروت عاصمة عالميّة للكتاب، لكونها «أمّ الشرائع» ومساحة للديموقراطيّة والحرّية، وهي التي تؤلّف وتطبع، والعالم العربي يقرأ. وإحدى الحجج التي ركّزنا عليها، نهضة دار الكتب الوطنيّة في لبنان التي كانت أبرز دار عربياً قبل الحرب الأهليّة». لكن إذا كانت نهضة المكتبة الوطنية من أسباب اختيار بيروت، فلِم لم يُذكر هذا المشروع ضمن برنامج أنشطة السنة؟ يجيب حلبلب: «ننتظر الهبة القطريّة لإنشاء مبنى المكتبة الوطنيّة قريباً».
خلال تولّيه منصب وزير الثقافة، أسّس وزير الإعلام طارق متري ما يسمّيه حلبلب «اللّجنة التحضيريّة» ترأستها الفنانة تانيا مهنّا. لكنّ اللجنة المسؤولة فعلياً عن الحدث، كما يوضح، هي التي تأسست مع الوزير تمام سلام، وعلى رأسها الروائيّة ليلى بركات منسّقةً عامةً لاحتفاليّة «بيروت عاصمة عالميّة 2009».
تتحدّث بركات عن اللجنتين. الأولى «لجنة شرف» يقدّم أعضاؤها الدعم المعنوي والمالي أحياناً وتتألّف من غسان تويني، وميشال إدّه، ومحمد يوسف بيضون، وعدنان القصّار، وغسان سلامة، وعادل حميّة. أمّا اللجنة الثانيّة فهي التنفيذيّة أو «الهيئة الاستشاريّة العليا» التي تجتمع أسبوعياً لمراجعة المشاريع المقدّمة، ويترأسها وزير الثقافة، فيما رئيس بلديّة بيروت عبد المنعم العريس رئيس مشارك في الهيئة، وحلبلب أمين سرّها. ومن أعضائها: المديرون العامّون في وزارات التربيّة والإعلام والسياحة، رئيس الجامعة اللّبنانية، نقيب اتحاد الناشرين اللبنانيين، الأمين العام لاتحاد الكتّاب اللبنانيين، نقيب أصحاب المطابع، نقيب أصحاب المكتبات في لبنان... وقد ذُكر أعضاء اللجنة بمناصبهم، وفق ليلى بركات، لأنّ الفكرة كانت أن تتألّف من المؤسّسات المعنيّة بالكتاب. لكن لماذا غُيِّبَت الجمعيات الثقافيّة غير الحكوميّة، نسأل بركات؟ الإجابة غريبة: «يصعب اختيار ممثل واحد عنها».
تعتمد استراتيجيّة الاحتفالية، كما حددتها بركات، على «رؤية تجديديّة». ثم نسمع منها كلاماً عاماً من النوع السائد في الخطاب الرسمي: «وزارة تدعم الثقافة وتعمل كهيئة تنظيميّة للأنشطة الثقافيّة، وتحفّز المنظّمات الثقافيّة. وستوافق وزارة الثقافة استثنائيّاً على جميع المشاريع المتعلّقة بسنة بيروت». أمّا أهداف «سنة الكتاب» فثلاثة: تدعيم وضع الكتاب في لبنان، تشجيع المطالعة، وتبنّي مقاربة متنوّعة للثقافة عبر رعاية أحداث أدبيّة وفكريّة. هذا إعلان النيات، البقيّة تأتي.
مسألة الموافقة على كل المشاريع المقدّمة لاقت أصداءً سلبيّة. تشرح بركات: «قلنا إنّ كلّ المشاريع مقبولة شرط تلاؤمها مع أحد الأهداف الثلاثة للاحتفالية». لكن حين ندقق في البرنامج الذي يضمّ 250 مشروعاً، نجد أنّ أنشطة كثيرة لا تتّخذ من الكتاب محوراً رئيسياً. يجيب حلبلب: «ستصدر كتب كثيرة. لكنّنا نهتمّ بصناعة الكتاب، طبعه ونشره وتوزيعه لأنّها عماد أساسي في الصناعات الثقافيّة. أمّا تشجيع المطالعة العامّة فهو من محاورنا. العربي يقرأ بمعدّل ثلث صفحة في السنة بينما الأوروبي 17 كتاباً في السنة! ومن أهدافنا تحقيق شعار «بلد يقرأ، بلد يعيش» بحملة مطالعة سنوية تبدأ في يوم المطالعة العالمي، في 23 نيسان».
بكلمة، وزارة الثقافة مرتاحة البال، فهي لم تقصّر، إذا صدقنا حلبلب وبركات، في دعم الكتاب ودور النشر. وتضيف بركات: «أهم دعم هو تقديم مساحة الجناح وكلفة إنشاء «الستاند» في خمسة معارض عالميّة. وقد تمثّلت الدور في اللجنة الاستشاريّة. وتلقّينا ردوداً إيجابيّة منها. إلا أنّ بعضها يمارس الفساد الذي يتّهم الدولة به. عرضت علينا دار، مثلاً، مشروعاً بـ125 ألف دولار، وبعدما درسنا كلفته الفعليّة، تبيّن أنّها لا تتعدّى 30 ألفاً».
رصدت وزارة الثقافة لهذه السنة 4 ملايين و300 ألف دولار، بينها مليون من بلدية بيروت. ويقول حلبلب إن الوزارة اعتمدت ثلاث وسائل للتمويل: «يموّل صاحب المشروع مشروعه كاملاً، أو تشترك معه الوزارة، أو تموّل الوزارة المشروع كاملاً». لكن إذا كان الناشر يموّل مشروعه، فما الحاجة إلى الاحتفاليّة أساساً؟ بركات تتفاءل خيراً وترى أنّ «البرنامج مدروس بدقّة سيعيد إلى بيروت أمجاد الستينيّات». هذا ليس رأي الجميع طبعاً. مديرة مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنيّة ندى عيتاني ترى أنّ الاستراتيجيّة ضعيفة بسبب استعداد الوزارة لقبول جميع المشاريع المقدّمة إليها: «أي مشروع يعتمد بنسبة 80 في المئة على التخطيط و20 فقط على التنفيذ. فأين الاستراتيجيّة التي تحدد كل النشاطات؟ أين الإطار العام للمشروع برمته، ذلك الذي يوجّه المكاسب؟ كان على الوزارة أن تؤدي دور واضع الأطر لا دور المتلقي». وترى عيتاني أنّ الوزارة بدأت عملها متأخرّة «الأونيسكو اختارت بيروت في تموز 2007، لماذا تأخّرنا حتى أيلول 2008 لمباشرة التحضيرات؟». يردّ حلبلب بأنّ الوزارة جهّزت كلّ شيء، وهي حاضرة في الموعد المناسب.
وترى عيتاني أنّ البرنامج غيّب دور لبنان مطبعةً للشرق، «كان لدينا دور بهذه الأهميّة، فالأحرى أن نبني البرنامج عليه. وإلاّ، فكيف سندفع بالكتّاب العرب للعودة إلى النشر في لبنان؟». وترى كذلك أنّ البرنامج لم يهتم بالكتّاب اللبنانيين: «أخطأت الوزارة بعدم الإضاءة على تاريخ الكتاب والطباعة، وخصوصاً أنّ تاريخ بيروت في الطباعة يعود إلى القرن الثامن عشر. لا يمكن الاستهانة بثلاثة قرون بهذه الطريقة». وترى عيتاني أنّه كان ينبغي الاعتماد على متخصّصين لتحليل المشاريع ونتائجها الممكنة. «علينا استغلال الفرصة للتوصّل إلى نتائج علميّة والاستفادة منها، وفتح المجال أمام الدراسات والإحصائيات الجديّة في مجال صناعة الكتاب، هذا القطاع المنتج اقتصادياً إذا أحسنت إدارته». وتتساءل: «لم لا يكلّف شباب من الجامعة اللبنانيّة إجراء الدراسات، وخصوصاً أنّ رئيسها حاضر في اللّجنة؟». وتنظر عيتاني بشك إلى كل هذه الاحتفاليّة التي تبقى ناقصة، أو حتى بلا معنى، في ظل تجاهل الدولة لمشروع إعادة إحياء المكتبة الوطنيّة: «الدولة التي لا تحافظ على ذاكرتها عبر المكتبة الوطنيّة، من أين لمواطنها أن يقرأ؟».

برعاية رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ميشال سليمان، يطلق وزير الثقافة تمام سلام، ورئيس بلديّة بيروت عبد المنعم العريس، البرنامج الرسمي للاحتفاليّة عند ظهر اليوم في قصر الأونيسكو

الأخبار
(111)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي