أفرزت الحالتان السودانية والجزائرية ثلاث نقاط لم تشهدها بلدان الربيع العربي، مع التأكيد أن لكل بلد خصوصيته المرتبطة بطبيعة النظام ودوره الوظيفي وآليات تعامله مع الحراك الشعبي، أما فكرة الحراك ومسبباته فهي واحدة في كافة البلدان التي شهدت ربيعا أحالته الثورات المضادة والدول العميقة في تلك البلدان إلى خريف تعصف به رياح السموم.
النقطة الأولى يمكن ملاحظتها في الحالة السودانية، وهي الحضور الواضح للأحزاب والنقابات، وإن لم تكن بشكل مكتمل المعالم، إلا أننا نجد مشاركة للمحامين وأساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم من الفئات الفاعلة في أي مجتمع، ويمكن أيضا ملاحظة حضور قادة الأحزاب اليسارية منها واليمينية ومشاركتهم في المظاهرات، وتعرضهم للاعتقال، من دون أن يكتفوا بإصدار البيانات. وهذا ما لم نجده في البلدان الأخرى، ففي سوريا على سبيل المثال لم تكن الأحزاب أكثر من هياكل خشبية لتحسين الشكل الخارجي للنظام، أما النقابات فتحولت إلى أذرع تشبيحية على الأعضاء الذين وجدوا أنفسهم إلى جانب الثورة.
أما النقطة الثانية فأفرزتها الحالة الجزائرية، وهي ضمن قطاع الإعلام، إذ قدمت وكالة الأنباء الجزائرية حالة غير مسبوقة عربيا بتغطيتها للمظاهرات ووصفها على أنها احتجاجات رافضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بعيدا عن أوصاف "إرهابيين، مخربين، مندسين، متآمرين..." وغيرها من النعوت التي تحترف أجهزة القمع العربية بإطلاقها على أي حراك شعبي مهما كان شكله، وتتكفل أبواق الإعلام من المطبلين بترويجيه بطريقة غبية.
وفي الإعلام أيضا، يسجل للجزائر إقدام أنس جمعة مدير أخبار قناة "البلاد" المحسوبة على النظام الجزائري، على الاستقالة واعتزال المهنة لعدم تمكنه من أداء مهمته بمهنية، فكتب الرجل على حسابه الرسمي: إن "الانسحاب جاء لأننا كصحفيين.. فشلنا في أداء مهمتنا بمهنية وموضوعية يوم الجمعة، وخيّبنا أمل الشعب".
وسبقته بذلك "مريم عبدو" التي استقالت من منصبها كرئيسة تحرير القناة الإذاعية الثالثة الناطقة بالفرنسية فعبرت عن احتجاجها على التعتيم على المظاهرات الحاشدة التي خرجت يومي الجمعة والسبت. وقالت عبدو في تدوينة نشرتها على صفحتها بموقع فيسبوك، "عندما نذكر صحافياً مسؤولاً عن هيئة تحرير، هذا يعني تقديم الخبر في وقته وبالشكل الذي تم، بموضوعية ودقة، وحين لا نمتلك الخبر نبذل المجهود اللازم لنحصل عليه، لكن ليس التعتيم على حدث بارز مثل مظاهرات 22 شباط".
أما ثالثة الأثافي، وهي الأهم، أن ما حصل في الجزائر والسودان هو صرخة بوجه أرباب الثورات المضادة، وإعلانا صريحا بأن تجربة تحويل الشعب السوري وما ارتكب بحقه من مآسٍ إلى عبرة للشعوب وفزاعة يتشدق بها الحكام و"المتفيقهون" تلميحا وتصريحا، باءت بالفشل.
ولعل في ذلك رسالة واضحة إلى الحكام بأن البلاد العربية لا يمكن أن يعاد حكمها بالطريقة التي حكمت بها قبل العام 2011، وإن كانت الأساليب القمعية والثورات المضادة نجحت لبعض الوقت فهي لن تنجح طوال الوقت، وما يُرجح إعادة الكرة إصرار الأنظمة على النهج نفسه الذي كان المحرض الأول للربيع العربي.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية