أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نقاط من وحي الجزائر والسودان.. حسين الزعبي*

من مظاهرات الجزائر - جيتي

أفرزت الحالتان السودانية والجزائرية ثلاث نقاط لم تشهدها بلدان الربيع العربي، مع ‏التأكيد أن لكل بلد خصوصيته المرتبطة بطبيعة النظام ودوره الوظيفي وآليات تعامله مع ‏الحراك الشعبي، أما فكرة الحراك ومسبباته فهي واحدة في كافة البلدان التي شهدت ربيعا ‏أحالته الثورات المضادة والدول العميقة في تلك البلدان إلى خريف تعصف به رياح ‏السموم.‏

النقطة الأولى يمكن ملاحظتها في الحالة السودانية، وهي الحضور الواضح للأحزاب ‏والنقابات، وإن لم تكن بشكل مكتمل المعالم، إلا أننا نجد مشاركة للمحامين وأساتذة ‏الجامعات والأطباء وغيرهم من الفئات الفاعلة في أي مجتمع، ويمكن أيضا ملاحظة ‏حضور قادة الأحزاب اليسارية منها واليمينية ومشاركتهم في المظاهرات، وتعرضهم ‏للاعتقال، من دون أن يكتفوا بإصدار البيانات. وهذا ما لم نجده في البلدان الأخرى، ففي ‏سوريا على سبيل المثال لم تكن الأحزاب أكثر من هياكل خشبية لتحسين الشكل الخارجي ‏للنظام، أما النقابات فتحولت إلى أذرع تشبيحية على الأعضاء الذين وجدوا أنفسهم إلى ‏جانب الثورة.‏

أما النقطة الثانية فأفرزتها الحالة الجزائرية، وهي ضمن قطاع الإعلام، إذ قدمت وكالة ‏الأنباء الجزائرية حالة غير مسبوقة عربيا بتغطيتها للمظاهرات ووصفها على أنها ‏احتجاجات رافضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بعيدا عن أوصاف "‏إرهابيين، مخربين، مندسين، متآمرين..." وغيرها من النعوت التي تحترف أجهزة القمع ‏العربية بإطلاقها على أي حراك شعبي مهما كان شكله، وتتكفل أبواق الإعلام من ‏المطبلين بترويجيه بطريقة غبية.‏

وفي الإعلام أيضا، يسجل للجزائر إقدام أنس جمعة مدير أخبار قناة "البلاد" المحسوبة ‏على النظام الجزائري، على الاستقالة واعتزال المهنة لعدم تمكنه من أداء مهمته بمهنية، ‏فكتب الرجل على حسابه الرسمي: إن "الانسحاب جاء لأننا كصحفيين.. فشلنا في أداء ‏مهمتنا بمهنية وموضوعية يوم الجمعة، وخيّبنا أمل الشعب".‏

وسبقته بذلك "مريم عبدو" التي استقالت من منصبها كرئيسة تحرير القناة الإذاعية الثالثة ‏الناطقة بالفرنسية فعبرت عن احتجاجها على التعتيم على المظاهرات الحاشدة التي خرجت ‏يومي الجمعة والسبت. وقالت عبدو في تدوينة نشرتها على صفحتها بموقع فيسبوك، ‏‏"عندما نذكر صحافياً مسؤولاً عن هيئة تحرير، هذا يعني تقديم الخبر في وقته وبالشكل ‏الذي تم، بموضوعية ودقة، وحين لا نمتلك الخبر نبذل المجهود اللازم لنحصل عليه، لكن ‏ليس التعتيم على حدث بارز مثل مظاهرات 22 شباط".‏

أما ثالثة الأثافي، وهي الأهم، أن ما حصل في الجزائر والسودان هو صرخة بوجه أرباب ‏الثورات المضادة، وإعلانا صريحا بأن تجربة تحويل الشعب السوري وما ارتكب بحقه ‏من مآسٍ إلى عبرة للشعوب وفزاعة يتشدق بها الحكام و"المتفيقهون" تلميحا وتصريحا، ‏باءت بالفشل.‏

ولعل في ذلك رسالة واضحة إلى الحكام بأن البلاد العربية لا يمكن أن يعاد حكمها ‏بالطريقة التي حكمت بها قبل العام 2011، وإن كانت الأساليب القمعية والثورات المضادة ‏نجحت لبعض الوقت فهي لن تنجح طوال الوقت، وما يُرجح إعادة الكرة إصرار الأنظمة ‏على النهج نفسه الذي كان المحرض الأول للربيع العربي.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(189)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي