أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هذا بديل الأسد... عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

تضجّ التحليلات باحتمالية غياب بشار الأسد عن المشهد مستندة بذلك إلى جملة وقائع، وأهمها تلميحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأيا كانت صدقيتها فهذا الأمر وارد الحدوث في أي لحظة، لأن بشار الأسد أوصل نفسه إلى مرحلة يتساوى فيها غيابه وحضوره، فلا هو يستطيع منع حدوث شيء، كما أنه لا يمتلك من سلطة القرار قدرا يمكنه من إحداث أي فارق.

راهن الأسد على أن الميليشيات الإيرانية ستساعده لقطف ثمار انتصار تصنعه له، ورمى كل أوراقه في أيدي روسيا لاحقا، فلا تلك انتصرت له ولا هذه ستمنحه فرصة الحصاد، فلكل منهما أجنداته الخاصة يسعى إليها غير مكترث ببشار أو أي بديل له، شريطة أن يحمل الصمت عما يفعلان.

انكفأت إيران عسكريا إلى نقاط محددة في الداخل تضمن استمرار الطريق البرّي إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، ليس إلا، وتم هذا بفعل الضغط الإسرائيلي الذي يتأطر هدفه بإبعاد السلاح الثقيل عن حدودها، ولا يعنيها في ذلك إن كان بين أيدي حليفتها الاستراتيجية إيران أو غيرها، وترافق بضغط روسي، يستهدف السيطرة الكاملة على اقتصاد وسياسة وعسكر النظام وكل ما أمكن من الحيّز الجغرافي المتاح له، دون أن يصل إلى مواجهة عسكرية مع الإيرانيين، حيث سمح لهم بأربعة معسكرات تتوزع بين حماة وحلب ودير الزور.

إشارات الحل السياسي لا تفتأ عن الظهور هنا وهناك، وآخرها الاتفاق غير المعلن بين تركيا وأمريكا على تقاسم نفوذ منطقة شرق الفرات مع الأكراد وبقايا القوات الأمريكية وما قد يلحق بها من قوات غربية وعربية.

من الواضح أن الكبار اتفقوا على سحب أي سلطة أو إمكانية تحرّك فردي مغامر من أي فصيل عسكري على الأرض، يتجهون إلى استلام زمام الأمور فيما بينهم، وإحداث تبديل في سلطة دمشق، لا يحمل تغييرا بنيويا، تعقبه إزاحة الرؤوس الكبيرة التي يمكن أن تفكر في خرق ما اتفق عليه أو تطمح لتحقيق مكاسب إضافية، لا يرى الكبار أن لها الحق في المزيد.

روسيا وأمريكا وتركيا تمتلك السلطة والنفوذ على كل مكونات العسكر في الداخل، وكلها رمت بما تملك من ثقل وأوراق واستثمرت فيها، بقي على تركيا أن تكتب آخر سطور صفحة هيئة تحرير الشام، وهي تفعل ذلك، وقد أبعدت المتشددين، وتلاحق من رفض الانصياع الكامل، وقد تكون لها علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر في التفجيرات التي لحقت بقيادات أخرى ومنها الجولاني نفسه، أملا في إحداث التغيير الجذري الذي يرضى به شركاؤها بالكعكة السورية.

ولا تزيد عمليات القصف التي ينفذها النظام على ريفي حماة وإدلب إضافة للمعارك الأخيرة التي تخوضها قسد (ولو إعلاميا) ضد تنظيم "الدولة" في محيط الباغوز عن كونها محاولة لتعديل مواضع بعض النقاط على الحروف.

صيغة الحل المعمول عليه باتت شبه جاهزة، ولكن ما لم يتضح بعد، هو حجم التغيير في تركيبة النظام، ودور المعارضة في مرحلة ما بعد الأسد، ونسبة تمثيل الفرقاء في المرحلة التي يمكن تسميتها مجازا بالانتقالية، ولكن معطيات تشير إلى إقامة تركيبة سياسية جديدة تحدد شخوصها ممن ينتمون للنظام كل أمريكا وروسيا، على أن تختار تركيا شخوصا من الإخوان المسلمين، وهذه حصة المعارضة، وتسمّي الأمم المتحدة بضع أسماء من منظمات المجتمع المدني والمستقلين، ليكونوا معا السلطة البديلة في دمشق ريثما يتم الإعداد للمرحلة الدستورية والانتخابات. 

إن ما أوصل سورية إلى هذا الحال هو فساد العسكر، كل العسكر على الأرض، وتخلّي النظام عن دوره خطوة بعد أخرى حتى أفلس تماما، إضافة إلى عدم تبنّي المعارضة لأي مشروع وطني يمكن للكبار أخذه بعين الاعتبار رغم مرر ثماني سنوات من عمر الثورة.

لا شك أن القوى الكبرى ضغطت على السوريين بكافة أطيافهم للوصول إلى هذه النتيجة، إلا أن النظام والمعارضة امتثلا تماما لإملاءاتها ولم يبديا أي اعتراض أو رغبة في تعديل هذه الإملاءات، انشغلا بالمصالح الفردية، ليدفع السوريون ثمن هذا الهزال.

*من كتاب "زمان الوصل"
(172)    هل أعجبتك المقالة (165)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي