إنها العودة إلى فكرة المؤامرة الكونية، وهي النجاة من كل مأساة تحيط بالسوريين، وهي خطاب النجاة الذي تحفظه الأبواق قبل السادة، وتروج له في ترويع الجميع حتى أولئك الذين يفكرون في أن ما يجري هو مأساة وانتهاك حقيقي لإنسانيتهم وليس مؤامرة تحاك ضد نظام أو رئيس أو حزب بالَ عليه الزمن وتعفّن.
الصرخة الأولى كانت فاتحة المؤامرة، والرصاصة الأولى مساهمة في المؤامرة، والحصار الأول، والقذيفة الأولى، وسقوط المئذنة الأولى، وأغاني العاشقين في ساحات الكرامة الأولى، والصاروخ الأول، والهجمة الأولى، وقذائف الدبابات، والطائرة عندما تخترق حاجز الصوت وتخنقه.
المشفى الميداني الأول، القتيل الأول والجريج صديقه، لجان الشارع والإغاثة، الأطباء، والعسكر، والضباط، والأمنيون الصغار، والمعارك الصغيرة، والحواجز الثابتة والطيارة، وسوى ذلك لم يكن إلا مقاومة لهذه المؤامرة وانتزاعاً لمشعليها.
في مقال تحت عنوان (يا أهل سوريا..احذروا الإشاعة) يسطّر أحد المقاومين تحذيرات للسوريين الجائعين، والمرتجفين من البرد، والمتسمرين في طوابير انتظار هدية الحكومة العتيدة لهم (جرة الغاز)...يحذرهم من الإشاعات التي تتناول بلدهم بعد انتهاء الحرب وإعلان الانتصار..احذروا الإشاعة بعد تعثر الشق العسكري الذي كان يراد منه حسب تعبيره (تغيير دور سوريا في محيطها وفي الإقليم).
يحاول الممانع (كمال خلف) الصحفي والمذيع في قناة "الميادين" أن ينتج بولادة قيصرية نصاً ممانعاً، ومملوءاً بالتمني والرجاء على السوريين أن لا يقعوا مجدداً في حبال المؤامرة وخيوطها، ويعطيهم الدروس من تجارب الآخرين عندما استمعوا إلى المؤامرة والإشاعة فهلكوا.
لا تصدقوا أيها السوريون أن أمريكا وحلفاءها يريدون خيراً بكم وبوطنكم، وأنهم يفكرون بكم أما الحقيقة: (إنما الحقيقية كانت تكمن في أن دور سوريا يجب أن يتغير، لضرب حلف يجمعها مع إيران وحزب لله والمقاومة الفلسطينية وأحرار الشعب العربي ويشكل خطرا على إسرائيل من ناحية، وحجر عثرة في وجه إعادة تشكيل المنطقة العربية وفق الرؤية الإسرائيلية الأمريكية)...فانتبهوا أيتها الضحايا مما يحاك لكم، ولا تظنوا أنهم استسلموا فلديهم ما يخططون له.
الحرب لم تنته بل تستمر، وهي أخطر وأعمق، حسب خلف، من إرسال الوحوش البشرية وشذاذ الآفاق لقتل الشعب السوري، ويا للحكمة المفرطة عندما توصف المؤامرة بأنها تستهدف المجتمع السوري..أو لم يتخلص الممانعون من ثمانية مليون متآمر وخائن فروا في الشتات ودول الجوار، وأصبح المجتمع السوري متجانساً أم أنها مؤامرة جديدة تستهدف المتجانسون أيضاً إنما بشكل آخر وعبر حاجات جديدة ليس للحرية شأن بها.
إنه الفيسبوك والناشطون فيه إذ يوغلون في تضخيم ما يحدث من معاناة اقتصادية سببها الحرب أولاً والحصار الجائر ثانياً، ولكنه في نفس الوقت يعبر عن حالة نضوج في المجتمع السوري، وتعبير عن الذات، ولكن على السوريين أن يحذروا ممن يندسون عبر منصات التواصل ويبثون الإشاعات من باب النقد وهم من "دواعش الداخل"...وهذا فصام مقاوم أبدي.
وبعد أن يسرد المقاوم مخاطر الإشاعة في تغيير وتدمير المجتمعات، وهي جزء من مخطط يمهد لإسقاط الدولة السورية، والأدوات هي الاستناد إلى معاناة الناس وصعوبة تأمين حاجاتهم الأساسية من كهرباء وغاز ووقود تدفئة، وفي هذا يد لـ"دواعش الداخل" الذين اخترقوا مؤسسات الدولة..وهذا أيضاً فكر مقاوم يتهم لصوص النصر ومؤيديه بأنهم خلايا "داعش" النائمة بانتظار إتمام المؤامرة الجديدة.
يستشهد الممانع بما حدث في السعودية عندما أطلقت إشاعاة الزئبق الأحمر في ماكينات الخياطة ما أدى إلى ارتفاع سعرها بعد أن كانت حسب تعبيره خردة، وكذلك ما فعلته المخابرات الانكليزية بالسلطان العثماني عبد الحميد عندما أطلقت حينها أنه أحرق كتب الشريعة ما أدى إلى عزله و مهد لانهيار السلطنة بعد ذلك..هي مقاربات ممانعة ومقاومة في وجه الإشاعة التي بدأت من جرة الغاز والبيان الأول لزهير عبد الكريم ورفاقه ولن تنتهي عند ارتفاع أسعار الفروج ومؤامرة الرد على صيصان النظام.
بالمحصلة على البقية من السوريين أن يحتملوا كل مصائب الأرض لأنهم إن لم يفعلوا ذلك سيلحقون بمن سبقهم إما إلى الشتات أو القبر..تحيا مصائب المقاومة.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية