أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مؤتمر دمشق: نبرة عالية لم تقم حواجز بين سورييّن ولبنانييّن، ومتحجّرين ومنفتحين

بضعة استنتاجات خرج بها مؤتمر العلاقات السورية ـــــ اللبنانية تضع البلدين عند مفترق مهم في سعيهما إلى مرحلة جديدة، هي الحاجة إلى الحوار بعد الاعتراف المتبادل بالخطأ والمسؤولية المزدوجة عن ارتكابه. أول تلك الاستنتاجات، انعقاده في دمشق هو الحدث، وبرعاية رسمية مباشرة، رغم وضع البرنامج بين يدي منظّمين سوريين ولبنانيين، في إشارة إلى رغبة القيادة السورية في مقاربة جديدة للملف. كان المؤتمر خطوة أولى، لكنها غير كافية. أبرَزَ كمّاً كبيراً من التناقضات والمفارقات في وجهات النظر وردود الفعل المتعارضة.

كان بين المشاركين مَن حضر بأحكام مسبقة، ومَن ترقّب مسار الحوار كي يدلي بدلوه لدحض الرأي الآخر، فإذا بحرارة الحوار تركّزت على الأسئلة والأجوبة، ومعظمها تجاوز مضمون مداخلات مكتوبة اختبأ معظمها وراء وقائع تاريخية كي ينفذ إلى قلب المشكلة ويعبّر عن وطأتها. مع ذلك، لم ينقسم المؤتمر بين سوريين ولبنانيين، وظهر جلياً أن الإعداد له كان أكثر انفتاحاً ورغبة في المصارحة وتحديد الخلل مع أوسع مروحة من المثقفين والآراء من كثير من مداخلات، هنا وهناك، توخّت توجيه الاتهام.


ثانيها أن المواقف التي أطلقها الرئيس بشار الأسد لدى استقباله المشاركين، وكذلك نائبته الدكتورة نجاح العطار في افتتاح أعمال المؤتمر واختتامها، بدت أكثر تقدّماً في تحديد المشكلة. كلاهما تحدّث أكثر من مرة عن سيادة البلدين وحدودهما واستقلالهما، من غير أن يبارح الفكرة العقائدية ـــــ المقيمة في صلب النظام ـــــ التي تقود منطق نظرته إلى سوريا ولبنان في آن معاً، وهي أن تكامل البلدين حتمي، وأنهما مستهدفان من الخارج، وأن الحدود الدولية لا تقف حائلاً دون تنظيم علاقات الدولتين، لكنها لا تتقدّم على العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية بين الشعبين التي استبقت رسم حدودهما. سلّمت سوريا بالدولتين المستقلتين، ولم تسلّم بالشعبين المستقلين وخصائص كلّ منهما المستقلة عن الآخر.
ورغم ثغرة طبعت البيان الختامي الذي أعدّته اللجنة المنظّمة، بعدم عرض مسوّدته على المشاركين قبل إعلانه، انطوى على معظم ما قال به طرفا المناقشات على نحو لم تخف أسطر البيان تناقضاً حاداً بين وجهتي نظر يصعب التوفيق بينهما في متن واحد.

تعمّد واضعوه إدراج وجهتي النظر المتعارضتين في سياق مبادئ عامة، وكذلك القواسم المشتركة، كي لا يكون البيان ختامياً كأنه ثمرة مفاوضات او اتفاق، بل جدول أعمال مؤتمر ثان يحتاج إلى متابعة مستفيضة. بذلك أتى على صورة المناقشات، مستمدّاً صيغه من مصادر ثلاثة اتّسم بها المؤتمر، هي فلسفة الدعوة إليه والأهداف التي توخّاها كما عبّرت عنها العطار، وروحية أفكار أثارها المتحدثون اللبنانيون والسوريون.
ثالثها أن متحاورين لبنانيين تحدّثوا في المؤتمر كسوريين، وسوريين تحدّث بعضهم كلبنانيين، والبعض الآخر كمتحجّرين لم يتخطّوا عقدة لبنان الكبير والأقضية الأربعة، وسعوا إلى تثبيت الموقف التاريخي من مناوأة استقلال لبنان. وكما لم يتردّد لبنانيون في المطالبة بإلغاء العلاقات الدبلوماسية والحدود الدولية وعدم المبالاة بترسيم الحدود، وبعضهم قال إن الحدود هي على الورق فحسب، وآخرون أحالوا المشكلة مع سوريا خلافاً لبنانياً ـــــ لبنانياً لا دور لدمشق فيه، تحدّث سوريون عن لبنان كخطأ تاريخي وصنيعة الاستعمار ودولة طائفية ممزّقة أنجدها الوجود السوري في لبنان، وراح منهم من يذكّر بأن المسيحيين اللبنانيين هم الذين شرّعوا وجود الجيش السوري في لبنان، أضف وجود سياسيين لبنانيين متآمرين على استقرار سوريا التي قدّمت شهداء في لبنان.

ولم يرَ بعضهم حرجاً في وصف لبنان بالكذبة، ولا حتى مَن تردّد في نعت لبنان، رغم وجود دولتين مستقلتين، بأنه جزء لا يتجزأ من الأرض الشامية، أو في أبسط الأحوال التعامل معه على أنه دولة مستقلة ولكن على أرض شامية.

رمَزَ ذلك أيضاً إلى إشارات ضمنية ميّزت بين المركز الذي هو سوريا، والأطراف، وأحدها لبنان، التي تستمد مرجعيتها من المركز. في المقابل، تحدّث باحثون سوريون بإيجابية لافتة عن مغزى أخطاء البلدين التي عرّضتهما لأخطار متطابقة، وألحّوا على ضرورة استمرار الحوار، متحدثين عن دولتين مستقلتين، لكن هدف تهديد مشترك.
ولعلّ المفارقة اللافتة أن الأسد لدى استقباله المشاركين، شهد متفرّجاً لدقائق حواراً حامياً بين مشارك سوري قال إن كتب التاريخ المدرسية في لبنان تسيء إلى سوريا، فردّ مشارك لبناني بنفي الأمر، قبل أن ينهي الأسد الجدل ويؤكد الاستعداد للذهاب بعلاقات البلدين إلى مداها الأقصى في التعاون بما يطمئن اللبنانيين.
رابعها نبرة عالية ــ عدّها البعض استفزازية ــ رافقت الجلسة الأخيرة. فقيل كلام لبناني غير مألوف من مثقفين اعتاده الخصوم اللبنانيون المتشدّدون لسوريا.

 لم يتردد مَن يقول من اللبنانيين إن الاستخبارات العسكرية راحت تتدخّل في لبنان إلى حدّ تعيين عمداء للجامعة اللبنانية، وتعيين موظفين، والتدخّل في كل التفاصيل اللبنانية، والفساد الذي تورّط مسؤولون سوريون فيه، وعدم الاعتراف باستقلال لبنان والإحجام عن ترسيم الحدود. مع أن بعض هؤلاء، لدى مغادرتهم اللقاء، وجدوا في موقفه من رفض ترسيم الحدود قبل انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا حججاً مقنعة، ووجهة نظر يدافع عنها هي أن إسرائيل بوثائق ومن دون وثائق لا تجد نفسها محرجة في الإصرار على احتلال المزارع.

الأخبار
(102)    هل أعجبتك المقالة (94)

سليم ألاعور

2009-04-24

ماقاله سعيد تقي الدين حاضر في ماضٍ يتجدد .<لبنان وسوريا هذه الواو الكافرة>.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي