أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رحيل حفيدة الرئيس "هاشم الأتاسي" بعيداً عن مدينتها حمص

اعتزلت الحياة العامة مع بداية العام 2002 ميلادية، وعكفت على تأليف كتابها "قصة الحضارة البيزنطية" - ارشيف

رحلت الأديبة والباحثة "بادية الأتاسي" حفيدة الرئيس السوري الأسبق "هاشم الأتاسي" في أحد مشافي الإمارات العربية المتحدة عن عمر ناهز الـ85 عاما، بعد سنوات من معاناتها من مرض القلب.

ووُلُدت الراحلة وهي ابنة "محمد سري الأتاسي" الابن البكر للرئيس الأسبق "هاشم الأتاسي" في 24/فبرايرـ شباط/1934 في مدينة حمص.

وروت ابنتها الأديبة "ماسة الموصلي" لـ"زمان الوصل" أن والدتها قضت السنوات الأولى من طفولتها في كنف والديها في دمشق، حيث كان والدها الذي درس الحقوق في فرنسا ثم حصل على الدكتوراه من جامعة "سويسرا" يعمل موظفاً في سلك الخارجية في دمشق آنذاك.

وتابعت أن والدها عندما توفي في عام 1937 كان جدها الرئيس "هاشم الأتاسي" آنذاك رئيساً للجمهورية في ولايته الأولى التي استمرت من 21 كانون الأول ديسمبر/1936 وحتى 7 تموز يوليو/1939.

وكشفت محدثتنا نقلاً عن والدتها أن جدها المرحوم "هاشم الأتاسي" كان في اجتماع بمقر الرئاسة حين بلغه خبر وفاة ابنه فلم يُنهِ اجتماعه بل طلب من أحد أقاربه حينها أن يؤمن لعائلة ابنه المرحوم سري سيارة تكسي للعودة إلى حمص ونقل الجثمان، ليلحق بهم هو فور انتهاء عمله، في إشارة منها إلى رفض جدها استعمال سيارة القصر الرئاسية باعتبارها من المال العام بشؤونه الخاصة.

وأردف المصدر أن "بادية الأتاسي" نشأت في بيت جدها وفي كنفه بعد وفاة والدها، وكانت تناديه بـ"جدي البيك" وتذكر الوالدة في إحدى المقالات التي كتبت فيها ذكريات تلك المرحلة أنها كانت تحسب ولسنين طويلة من طفولتها أن هذا هو اسمه الشخصي. 

التحقت الراحلة الحمصية في مراحل تعليمها الأولى بمدرسة الراهبات في حمص التي كانت تديرها راهبات القلبين الأقدسين التابعة للمدارس اليسوعية، وكانت -كما تقول ابنتها- تعشق المواد الأدبية والاجتماعيات واللغة الفرنسية، وكتبت المقالات الأدبية والتاريخية لصحيفة المدرسة، كما كانت تعمل على ترجمة بعض المقالات الثقافية والأدبية، وكذلك الشعر من اللغة الفرنسية إلى العربية وتنشرها في تلك الصحيفة بخط يدها ليقرؤها الطلبة، وكانت تلك المرحلة هي بداية تشكل وعيها الثقافي وحبها للبحث والكتابة.

في المرحلة الثانوية انتقلت الأديبة الراحلة مع جدها الرئيس إلى دمشق في ولايته الثانية ودرست في مدرسة "دوحة الأدب" التي أسستها السيدة "عادلة بيهم الجزائري" ومن تلك المدرسة نالت الشهادة الثانوية، وكانت فترة أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي -حسب ما تروي في إحدى مقالاتها- مليئة بالحياة الديموقراطية وانفتاح المرأة السورية عموماً على طلب العلم والالتحاق بالعمل، مضيفة أنها تأثرت جداً بمديرتها السيدة "عادلة"، وكانت معجبة جداً بنشاطاتها الثقافية من ندوات وعمل في الجمعيات النسوية والخيرية التي كانت تشركها وغيرها من الطالبات بها دائماً.

بعد ذلك التحقت "بادية الأتاسي" بكلية الآداب وعلم النفس في جامعة دمشق ودرست الفلسفة لتتخرج منها في العام 1957.

وفي الجامعة نشطت -حسب محدثتنا- في العمل السياسي وكان لأخيها المرحوم المحامي "الفضل الأتاسي" وبعض الأقارب وأصدقاء العائلة تأثير كبير في توجيه أفكارها إلى الشيوعية، ولم يمانع جدها البيك متابعتها لهذا النشاط، بل كان كثيراً ما يدخل معها في نقاشات حول الأفكار الشيوعية التي كانت جديدة نوعاً ما على المجتمع العربي الشرقي، ومما ساعدها في هذا التوجه اقترانها نهاية العام 1957 بالمحامي "بشار الموصلي"، وهو المثقف الذي كان يحمل –حسب قولها- مبادئ تقدمية وحضارية.

وأردفت "ماسة الموصلي" أن والدها المحامي سُجن بعد أشهر قليلة من قيام الوحدة السورية مع مصر لثلاث سنوات إلى حين انتهاء الوحدة أواخر عام 1961 وفي تلك الأثناء وبعدها لسنوات عشر، اقتصر نشاط الراحلة العملي على العمل كمدرسة ثانوية وبالساعة في مدارس حمص الخاصة لمواد الفلسفة وعلم الاجتماع واللغة الفرنسية. 

وأسست "بادية الأتاسي" مع زوجها ومجموعة من الأصدقاء فيما بعد ما سُمي بـ"الندوة الثقافية" في حمص و"النادي السينمائي" وكانت الندوة الثقافية التي تُقام بشكل شهري تستضيف مثقفين وأدباء وشعراء وكتاباً.

واستمرت في هذا النشاط حتى أواخر السبعينيات، حيث بدأت الحركة الثقافية في سوريا عموماً تنكفئ على نفسها نتيجة للظروف السياسية إلا القليل من الندوات الفنية والسينمائية البعيدة كلياً عن مناقشة الشؤون العامة والأحوال السياسية. 

ولفتت ابنة الراحلة إلى أن والدتها كتبت الكثير من المقالات التاريخية والثقافية الفكرية التي نشر بعضها في صحف محلية، وعند دخول الإنترنت إلى سوريا نشرت بعضها في مواقع فكرية وثقافية عديدة، وأخرى ما زالت طي الورق.

وتابعت أنها اعتزلت الحياة العامة مع بداية العام 2002 ميلادية، وعكفت على تأليف كتابها "قصة الحضارة البيزنطية" الذي أخذ منها سنوات طويلة من الدراسة والبحث في مراجع غربية وعربية. 

وكشفت محدثتنا أن تطور الأحداث في مدينة حمص وحالة الحرب والحصار وانعدام الكوادر الطبية أثر على والدتها صحياً ونفسياً، وخصوصاً أنها كانت تعاني من مرض القلب، ما استوجب رحيلها عن حمص، لتنتقل إلى الإمارات العربية المتحدة حاملة كتابها الذي تمت طباعته ونشره من قبل دائرة الثقافة في الشارقة في العام 2014.

واستمرت في الكتابة والبحث وكتبت العديد من المقالات الثقافية السياسية التي نُشر بعضها نشرت على مواقع التواصل، كما كتبت مذكرات لها عن جدها الرئيس "هاشم الأتاسي"، وأغمضت عينيها في مشفى "nmc" رويال بمدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة عصر الخامس من شهر شباط فبراير، بعيداً عن مدينتها المنكوبة التي أحبتها وأخلصت لها.

فارس الرفاعي -زمان الوصل
(335)    هل أعجبتك المقالة (408)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي