مع كل تطور تشهده الساحة السورية تعود الأسئلة ذاتها إلى الواجهة، ما المعنى الذي يحمله التطور الجديد، إلى أين سيؤدي، ما انعكاسه على النظام والمعارضة، وما حجم دور كل دولة فاعلة فيه؟
أما الإجابات عليها فأغلبها يحمل صفة التمنيات أو الأحلام، وتبتعد كليا أو جزئيا عن التحليل الحقيقي، وذلك بحسب المسافة التي تفصل المجيب عن أحد الأطر اف أو عن المكاسب المحتملة.
سألت معارضا "رايح جاي" على المؤتمرات الخاصة بالشأن السوري من جنيف إلى الأستانة وما بينهما: إلى أين تسير الأمور برأيك؟ فأجابني غاضبا وحزينا بالوقت نفسه ودون تردد "يا رجل روسيا ما بدها تعطينا شي، رغم أننا قلنا لموفد روسي جاء إلى تركيا قبل أيام للتحضير لمؤتمر أستانة الجديد أننا مستعدون لخوض انتخابات يشارك فيها بشار الأسد، إلا أنه طلب منا المشاركة بحكومة يشكلها الأسد نأخذ فيها بعض الحقائب الخدمية غير الرئيسية".
بغض النظر عن صدقية الشخص، ووزنه في القرار داخل المعارضة، إلا أن كلامه يعكس واقعا تعيشه المعارضة التي باتت تصارع من أجل دعوتها للحضور فقط، أما عن تحقيق مكاسب أو مصالح للسوريين فهذا بعيد جدا عنها لأنها غدت معزولة تتفرج على ما يجري، وسط انشغال الدول الراعية لمؤتمر أستانة بإيجاد صيغة توافقية للحلّ فيما بينها أولا، وترضي أمريكا وإسرائيل تاليا، أو لعلّها تناقش الحل الذي أقرته هاتان الدولتان.
كان لافتا الإعلان من واشنطن أن تركيا وأمريكا سيعملان عسكريا على ضمان انسحاب هادئ وآمن للقوات الأمريكية من سوريا، وفيما يعنيه هذا أن قوات تركية أو حليفة لها ستنتشر مؤقتا أو دائما في المواقع التي تخليها القوات الأمريكية، وهذا يضرب مشروع "قسد" وأحلامه الانفصالية.
أما دعوة "إلهام أحمد" إلى واشنطن لحضور خطاب الأمة للرئيس ترامب ولقائها مسؤولين في وزارة الخارجية ليس إلا لتوضيح حقيقة التطورات التي طلب منها أن تتعامل معها "قوات سورية الديموقراطية" بإيجابية كي لا تخسر كل شيء، وفهمت إلهام أن أمريكا لا يمكن أن تعادي تركيا من أجل دعم فصيل كردي باتت تجاوزاته كبيرة، كما أن دوره الميداني أوشك على الانتهاء، وعليه أن يتهيأ لمرحلة الصمت العسكري والانكفاء ربما مرحليا بانتظار التكليفات الجديدة.
وكانت القيادة السياسية للفصيل الكردي استشعرت هذا التطور وراحت تبحث عن سند بديل عن الأمريكان فاتجهت لإقليم كردستان العراق دون تحقيق نجاح يذكر نظرا للخلافات العميقة بتوجهات الطرفين، كما اتجهت صوب بقايا نظام الأسد ولم تفلح لعدم وصول إيعاز يسمح بذلك.
تطور آخر توحي مقدماته بتوصل إسرائيل والغرب إلى حلّ للقضية السورية، سيقرّه مؤتمر أستانة القادم، ولعل تأجيل عقده حتى الشهر القادم جاء لمنح فسحة زمنية أكبر لمناقشته، وربما تعديل بعض مفرداته، التطور المذكور تمثل بإعلان إسرائيل تحديدا عن نقل إيران مقر عملياتها من مطار دمشق إلى مطار "تي فور" وسط سورية وهو ما يعني قبولها شروط إسرائيل بالابتعاد عن حدودها.
يتزامن ذلك مع الخطى الحثيثة التي تمشيها "هيئة تحرير الشام" باتجاه العمل المدني وإبعاد القادة الجهاديين العابرين للحدود، ومن غير المستبعد "حسب معلومات" قبول انضمامها للجيش الوطني، وهو ما يوحي بأن الجولاني ينسق مع تركيا خطوات منح شرعية ما لفصيله تجنّبه الاستهداف والاستئصال.
يضاف إلى ذلك الإعلان التركي عن ولادة اللجنة الدستورية "خلال أيام"، هذه وغيرها مؤشرات على توافق دولي على صيغة حلّ في سوريا، يتم العمل على تنفيذه ميدانيا قبل الإعلان عنه رسميا.
لكن اللافت أن كل التطورات لا تحمل مؤشرا واضحا عن مصير الطرفين السوريين معارضة ونظاما، لكنهما معا يرفعان سقف مطالبهما، حيث يتبجح النظام بادعاء انتصار لا مقومات له، فيما لا تزال المعارضة تطالب بالتغيير، والمرجح أنهما معا سيكونان خاسرين، ولهذا يرفضان التنازل علّ الوضع القائم لأن استمرارهما مرتبط باستمراره.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية