أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صلوات ماجدة الرومي... ماهر شرف الدين*

بالصوت ذاته الذي صلَّت به ليسوع المسيح... صلَّت لعبد الفتاح السيسي

من بين آلاف الحكايات المأساوية التي حدثت في سوريا، استلَّتْ ماجدة الرومي حكاية "راهبات معلولا" وغنَّت لها (ألبوم "نور من نور"، 2013). يومذاك، وقفت المطربة اللبنانية أمام خزانة الملابس لتختار من الثياب أضيقها.

المعيار الذي استخدمته الرومي لتقييم المأساة في سوريا، لم يستخدمه السوريون لتقييم أغانيها. المعيار الضيّق الذي استخدمته لفرز المآسي المستحقَّة والغناء لها، والذي وجدت فيه أنَّ هلع أمٍّ على طفلها المدفون تحت الأنقاض لا يساوي شيئاً أمام هلع راهبة تعرَّضت للخطف، لم يستخدمه السوريون حين ردَّدوا أغنياتها، الثورية والعاطفية على السواء، دون اهتمامهم بمعرفة ديانتها وطائفتها.

قبل ذلك بشهورٍ، وفي ذروة المذبحة السورية، خرجت الرومي بالصوت والصورة، وبلسان لا يعوزه سوى القليل من الحياء، لتقول بأنَّ بشار الأسد لا يمكن أن يؤذيَ سورياً، قبل أن تبدأ بامتداح "حذائه" الذي "وضعه في فم إسرائيل والغرب" (برنامج "كلام الناس"، شباط 2013).

مناسبة هذا الاستذكار، الآن، هو تصريح الرومي الأخير، لصحيفة "أخبار اليوم" المصرية، بأنها تُصلِّي دائماً للرئيس المصري الجنرال عبد الفتَّاح السيسي وأنها تدعو له مع كلّ صلاة لكي "يأخذ الله بيده ويساعده في حماية المصريين"، لتستفيض بعد ذلك في الحديث عن هيبة السيسي وحكمته ووجهه "الذي يُوحي بالطيبة والصدق والصلاة"، متجاهلةً الآلاف من ضحاياه الذين قُتِلوا وسُجنوا ونُكِّلَ بهم. (غزل الرومي بالطغاة والجنرالات ليس حديث العهد، فقد سبق لها أن غنَّت للجنرال ميشيل عون في الحرب الأهلية اللبنانية أغنية "مين غيرك هزّ المسمار"، قبل أن تعود لمعاهدته على صفحتها الشخصية -بعد انتخابه رئيساً للجمهورية سنة 2016- بأن تكون جنديةً من جنوده).

بالصوت ذاته الذي صلَّت به ماجدة الرومي ليسوع المسيح ولراهبات معلولا، صلَّت لعبد الفتَّاح السيسي. بالصوت ذاته الذي صلَّت به للمظلوم، صلَّت للظالم. ولو حدث أن حُوكمَ الفنَّان على خيانته لرسالة الفنّ، لامتلأت السجون بالفنَّانين العرب.

والحقّ أنَّ ماجدة الرومي، في هذا الصدد، تُقدِّم مثلاً فاقعاً عمَّا يمكن أن نطلق عليه مسمَّى "الفنَّان المتطوّع". فإذا افترضنا بأنَّ فنَّاني بقية الدول العربية الأخرى مُجبرون بشكلٍ من الأشكال على العمل في خدمة مشروع الاستبداد (خذوا سوريا مثلاً، حيث تلعب الأفرع الأمنية دوراً لا يُجارى في التأثير على الساحة الفنّية)، فإنَّ الرومي تنتمي إلى بلدٍ -على الرغم من انحداره السياسي الشديد- لا يُجبر الفنَّان على القيام بعملٍ ما رغماً عنه. ناهيك عن أنها، بحكم جنسيتها اللبنانية، كانت تستطيع التزام الصمت -كأضعف الإيمان- إزاء ما يحصل في سوريا ومصر دون أن يستطيع أحدٌ إرغامها على اتخاذ موقف واضح في تأييد المستبدّين.

هذا "التطوُّع" من قبل الرومي، وغيرها من الفنَّانين (غير الـمُجبَرين سياسياً وغير المعوزين مادَّياً)، مقابل بعض الفتات على موائد الجنرالات والرؤساء، يُثبت بأنَّ الاستبداد العربي لا يحتاج إلى تخريج الفنَّان من دُوره وكلّياته ومعاهده كي يضمن تأييده، بل يكفيه أن يرميَ، بين فينةٍ وأخرى، ببعض الفتات (تكريم واستقبال وحفلات)، قبل أن يبدأ الفنَّان برفع صلواته!

*معارض وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
(349)    هل أعجبتك المقالة (352)

أبو صطيف

2019-02-10

وماتخفي الصدور أعظم وأدهى،إنحطاط أخلاقي وعقيدة النفاق..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي