يحمل العنوان بعض الشطط في نظر البعض لأن الأمر لا يتعدى تعديلات واهية في قانون الأحوال الشخصية أجراها ما يسمى بمجلس الشعب صاحب أعلى نسبة في رفع اليد وهز الرأس تحت قباب برلمانات العالم.
والبعض قد ينظر إلى الأمر على أنه تحميل النظام مسؤولية كل ما يجري، والبحث عن كل ما من شأنه الإبقاء على حال السوريين في الداخل والخارج مراوحاً في المكان، وما الذي يضيرنا في أن يقوم مجلس الشعب في إجراء تعديلات تساعد السوريين على الانتقال إلى حال أفضل، ويحسن من صورتهم أمام العالم، وهذا أمر جيد.
المفارقة أن كل الأطراف باستثناء القلة رأت في الأمر كمن يمسح دم القتيل عن فمه، أو وضع مواد تجميلية لإظهار الجثة في أحسن صورتها عندما تلقى عليها نظرة وداع أخيرة، والحال ليس بهذا السوء، ولا هو انتصار للمرأة وتحسين لحالها في وجه قانون يستلب منها حقوقها، ومجتمع ذكور (مات نصفهم) فائض التنمر.
كان من الممكن أن ينتظر المجتمعون تحت قبة البرلمان العتيد لإجراء هذه التعديلات بعد التوصل إلى حل سلمي بين السوريين يجمعهم، ويجلبهم جميعاً بمن يتفقون ليصير إلى تتويج هذا الحل بإجماع سوري مجتمعي يتمثل بعقد اجتماعي متحضر يليق ببلد يتعافى من حرب طويلة فرقتهم أكثر من ذي قبل، وأنتجت رؤى جديدة كان من الممكن أن تساهم في صيانة ما يمكن أن يتوصلوا إليه من توافق.
في الداخل وحيث يأكل الفقر والفساد والاحتكار أرواح السوريين قبل أبدانهم يرى كثيرون أن المجلس تخلى عن كل أدواره التي تمس حياتهم، بل أنه أعطى غطاء لكل الاستباحات التي طاولتهم، وتتالت الشتائم وأقبح الصفات على وصف المجلس وأعضائه، وأن هؤلاء لا يستطيعون استدعاء وزير فاسد أو لص فكيف بهم يتصدون إلى قانون من الممكن أن يتم تأجيله فأولوية السوري هي أن يأكل ويشرب ويشعر بالدفء والأمان، وأن تصان ثروات البلاد من النهب والبيع.
وزير عدل النظام يرى أن (الهدف من مشروع القانون حماية الزواج وتشجيعه وإزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وحماية الأمومة والطفولة ومراعاة ما حققته المرأة من إنجازات مهمة خلال الخمسين سنة الماضية)... ولكن من أي عالم افتراضي يتحدث هذا الوزير، وعن أي بلد، ومن يقرأ صحفه نفسها ير كم المعاناة والقهر والتشرد الذي يعاني منها تحديداً من يرى الوزير أن القانون ينتصر لهم.
حالات الطلاق بلغت ذروتها في البلاد التي تعاني نزفاً أخلاقياً ومجتمعياً، وجيوش من الأطفال اليتامى والمتسولين ومتعاطي المخدرات ينتشرون في شوارع وحدائق المدن السورية، وأن أي إنجازات حققتها المرأة السورية سوى أنها كانت حمّالة الهم والدمع والدم.
رأي آخر أطلقه وزير سابق بالأمس يرى أن القانون هو خطوة في طريق صحيح فعلى السوريين أن يعملوا في كل الأحوال والظروف لتحسين عالمهم، وهذه تبدو طوباوية غريبة عن شعب نصفه مشرد ومقتول ومنذور للقتل فيما تبدو العصمة وحدها في يد النظام.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية